رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة الشعب والجيش

هل ٣٠ يونيو هى ثورة الشعب أم ثورة الجيش؟ هذا سؤال لا يطرحه إلا مغرض أو جاهل أو كليهما معًا.. بكل تأكيد ٣٠ يونيو هى ثورة الشعب المصرى بجميع طوائفه وفئاته.. هذه الثورة أيدها جيش الشعب وجعلها واقعًا ممكنًا.

الشعب ثار لأنه أدرك أن الدولة فى خطر، وأن هوية مصر فى خطر، وأن الإخوان جماعة إرهابية بامتياز.. والجيش حمى ثورة الشعب ونفذ إرادته.. لاحظ هنا أن هناك فرقًا بين الشعب وبين مَن يتاجرون بثورة الشعب.. الشعب هو الملايين العريضة التى أحست بالخطر وتنادت للخروج ووقعت فيما بينها عقدًا صامتًا على إسقاط الإخوان منذ إصدار الإعلان الدستورى ووضوح معالم فشل الإخوان ومخطط الأخونة.. الشعب شىء والنخبة السياسية والإعلامية شىء.. هذه النخبة منها عناصر مخلصة فى غاية النبل والاحترام.. ومنها سماسرة ومرتزقة أكلوا على كل الموائد.. وبعضهم كان من أسباب صعود الجماعة.. وبعضهم كان خادمًا لخيرت الشاطر قبل يناير ٢٠١١.. والأمثلة معروفة والأرشيف لا يكذب ولا ينطق عن الهوى.. كون أن هؤلاء أدركوا خطأهم، أو قرروا ركوب موجة غضب الشعب.. أو أدركوا أن سفينة الإخوان غارقة فقرروا القفز منها.. لا يعنى إطلاقًا أنهم صنعوا ثورة ٣٠ يونيو.. هم فقط قفزوا من السفينة الغارقة.. ولا يعنى أيضًا أن يتحدثوا باسم الشعب ببساطة لأن بعضهم فاسد أثرَى من تأييد الإخوان وأثرَى من معارضة الإخوان أيضًا، وبالتالى فليس من حقه الحديث باسم الشعب.. ولا حتى باسم السياسيين والإعلاميين الشرفاء.. هذا عن الفارق بين دور الشعب بالثورة ودور مَن يتاجرون بدور الشعب.. وهو فارق دقيق وحيوى وجوهرى.. كالفارق بين البياض وبين الصفار.. والفارق بين الحجر الكريم والحجر المزيف، وبين المثقف الحقيقى وبين تاجر الشعارات والمبادئ. 

نأتى بعد ذلك لدور الجيش.. الذى هو جيش الشعب ومنفذ إرادته.. بكل تأكيد الثورة ثورة الجيش مع الشعب لأنه هو الذى نفذ إرادة الشعب، وهو الذى جعل مطالبه أمرًا واقعًا، وهو الذى منع ميليشيات الإرهاب من التنكيل بالشعب المصرى وعقابه على اختياره لخلع الإخوان.. وهو الذى قال قائده العام منذ أول يوم لتوليه إنه جيش كل المصريين، وإنه جيش وطنى غير سياسى، وإن ولاءه لمصر فقط، وهو الذى دعا للحوار الوطنى برعايته منذ وقت مبكر فى رسالة لا تُخفى على أحد ويفهمها كل لبيب وكل حصيف.. وبالتالى دور الجيش لا يمكن نكرانه.. تمامًا كما أن دور الشعب لا يمكن نكرانه.. ثم لنعود للتاريخ ولثورة أخرى غيرت حياة المصريين هى ثورة ٢٣ يوليو.. هذه ثورة نفذ فيها الجيش إرادة الشعب، وكان صناعها نتاجًا للخطاب السياسى والثقافى السائد فى مصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتبنوا فى خطابهم وبرامجهم مطالب الحركة الوطنية المصرية ونفذوا أفكارًا كانت مطروحة من قبل.. مثل الإصلاح الزراعى مثلًا.. هنا ضباط من الشعب يتأثرون بمطالب الشعب فيتحركون ليحولوا هذه المطالب إلى واقع حقيقى.. المطالب إذن هى مطالب الشعب.. لكن الذى خطط وغامر ودبر وحمل روحه على كفه هو الجيش.. وقد حدث شىء من هذا.. أو كل هذا فى ثورة الـ٣٠ من يونيو.. التى هى ثورة شعب حماها الجيش، أو مطلب شعب نفذه الجيش.. هكذا بكل بساطة دون افتعال بطولات زائفة وطلب تحصيل فواتير مزيفة لبطولات مضروبة.. كل الاحترام للشعب ولا احترام لمن يريد أن يتاجر بهذا الشعب.