عملية إنقاذ الزراعة المصرية
وزير الزراعة يروى وقائع سبع سنوات من العمل الصامت
٢.٢ مليون فدان فى الدلتا الجديدة منها مليون فدان تدخل الخدمة بعد عامين
٣٤٠ مشروعًا زراعيًا بتكلفة ٤٠ مليار جنيه
مد شبكة الرى بالتنقيط للحقول الصغيرة.. والتكلفة قرض حسن على عشر سنين
أبلكيشن على تليفون المزارعين بدلًا من برنامج سر الأرض
مؤسسات مالية تشيد بالزراعة المصرية وبالتصنيع الغذائى فى مصر
أنا واحد من الذين يعتقدون أن الإعلام المصرى مقصر فى نقل كثير من الإنجازات التى حدثت فى السنوات السبع الماضية.. لقد كان هذا هو نفس المعنى الذى أكده الأستاذ كرم جبر عقب إلقاء الدكتور السيد قصير، وزير الزراعة، كلمته.. كان ذلك فى المجلس الأعلى للإعلام ظهر السبت.
أسباب تقصير الإعلام فى نقل التطورات السريعة على الأرض مركبة.. جزء منها كان يرتبط بظروف مصر بعد ٣٠ يونيو والمواجهة مع محور الشر.. أو أهل الشر كما كان يسميهم الرئيس السيسى.. كان هناك حرص على إخفاء ما تقوم به الدولة حتى لا يتآمر الأعداء لإفساده.. خاصة أنه كان لهم أعوان فى الداخل.. جزء آخر كان يعود لطبيعة الرئيس السيسى نفسه كمدير سابق للمخابرات الحربية يميل إلى العمل أكثر مما يميل إلى الكلام، ويحافظ على سرية ما يفعله وما يفكر فيه.. جزء ثالث يعود إلى انشغال الإعلام المصرى بالمواجهات اليومية مع الشائعات التى كانت تطلقها بعض القنوات المأجورة لم يترك له الكثير من المجال والوقت لرصد الإنجازات والحديث عنها... من الأسباب أيضًا أن عملية الإحلال والتبديل الضرورية التى تمت فى الإعلام المصرى لأسباب وطنية وسيادية وسياسية لا غنى عنها أثرت على كفاءة العمل بعض الشىء.. لكن هذا كان بمثابة عرض جانبى لدواء لابد من تعاطيه طلبًا للشفاء.. وقد اختفت هذه الأعراض مع الوقت، ولم يبق إلا مميزات الدواء ومنافعه.. تدافعت كل هذه الأفكار إلى ذهنى وأنا أستمع لعرض المحاسب السيد القصير لحال الزراعة المصرية، والحقيقة أنه قدم رؤية شاملة، ومعلومات دسمة، وإنجازات تفرح قلب كل من يحب هذا الوطن، وتغم قلب كل من يكرهه.. لقد كانت مفاجأة لى أن وزير الزراعة نفسه رجل بنوك واقتصاد وليس أستاذًا للزراعة كما جرت العادة منذ عقود طويلة.. وكانت الملاحظة الثانية أنه صاحب رؤية سياسية عبر عنها بقوله (نحن جنود فى معركة البناء).. أما المفاجأة الثالثة فكانت فى حجم الإنجازات التى تمت فى مجال الزراعة خلال سبع سنوات مؤثرة ومهمة فى تاريخ مصر.. فإلى جانب الأنشطة الزراعية العادية هناك ٣٤٠ مشروعًا زراعيًا كبيرًا بتكلفة ٤٠ مليار جنيه مصرى تمت إضافتها للرقعة الزراعية الجديدة، وإلى جانب كل ما يدور فى الوادى والدلتا فهناك مشروع الدلتا الجديدة الذى يستهدف إضافة ٢٫٢ مليون فدان للرقعة الزراعية المصرية التى تبلغ الآن ٩ ملايين فدان.. أى أننا فى مشروع واحد نضيف ربع مساحة الرقعة الزراعية المصرية التى تنمو منذ عهد الفراعنة وحتى الآن.. من بين الـ ٢٫٢ مليون فدان هناك مليون فدان ستنتج ثمارها خلال عامين فقط.. والرائع أن هذا يتم فى وقت ينعق فيه البوم أن مصر ستعطش مع اكتمال بناء سد النهضة، لكن الحقيقة أن مصر الواعية، الحريصة، القوية لن تعطش أبدًا.. فهذه الأفدنة المليونية سيتم ريها من خلال المياه الجوفية، فضلًا عن محطات معالجة عملاقة لمياه الصرف الزراعى تجعلها صالحة للاستخدام مرة أخرى.. هذه المحطات تم بناء أحدها، وفى الطريق اثنتان أخريان بتكلفة تتجاوز الـ٦٠ مليار جنيه للمحطة الواحدة.. هذه النهضة الزراعية هى جزء من رؤية الجمهورية الجديدة.. الأمن الغذائى الذى تعتبره جزءًا من الأمن القومى لمصر.. وجزءًا أيضًا من إيمان الدولة المصرية بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطن المصرى وحقه فى الحصول على غذاء رخيص وآمن بطريقة سهلة وبسعر مناسب.
من محاور التطوير التى لفتت نظرى للغاية مشروع الرى الحديث للحقول المصرية.. حيث تودع مصر طريقة الرى بالغمر ورى الحياض التى عرفتها منذ الآلاف السنين والتى كانت تهدر الكثير من المياه التى لم نعد نملك ترف إهدارها.. هذا المشروع كان بعض المستثمرين فى زمن الرئيس الأسبق مبارك كان يتحدث عنه وكأنه حلم بعيد المنال.. وأذكر أن رجل الأعمال صلاح دياب كتب أكثر من مرة عن مميزات الرى الحديث وما يحققه من فوائد قبل ثورة ٣٠ يونيو.. والآن أصبح المشروع حقيقة واقعة، حيث تمتد شبكات من الأنابيب البلاستيكية والرشاشات الأتوماتيكية لتغطى حقول مصر كلها.. بتكلفة بسيطة يتحملها بنك الائتمان الزراعى ويقدمها لصاحب الأرض كقرض حسن يسدد على عشر سنوات.. وقد قلت لوزير الزراعة إننى أتمنى لو يعفى أصحاب الملكية أقل من فدان من تكلفة مد الأنابيب لأراضيهم، لكنه قال إنه يخشى أن يتم التحايل وتفتيت الملكية على الورق للحصول على هذه الميزة.. والحقيقة أننى اقتنعت بكلامه كخبير كبير ومسئول، وإن بقيت على قناعتى بأن الفلاح المصرى يجب أن يظل محل رعاية الدولة المصرية التى خصصت ٧٠٠ مليار جنيه لتطوير الحياة فى الريف المصرى ضمن مشروع حياة كريمة أحد أكبر المشروعات فى تاريخ الدولة المصرية منذ تأسيسها فى فجر التاريخ.. كما بدا من كلام وزير الزراعة المصرى أن منظومة الزراعة المصرية تسير نحو التحديث والرقمية لدرجة أن برامج التوعية للفلاحين أصبحت موجودة على تطبيق إلكترونى خاص (أبلكيشن) يمكن لأى مزارع أن يدخل عليه.. هذا الأبلكيشن الحديث هو بديل برنامج التوعية الزراعية الشهير (سر الأرض) الذى شب عليه جيلى فى التسعينيات.. التحديث يشمل أيضًا الاتجاه إلى زراعة المساحات الكبيرة فى الدلتا الجديدة ومشروع المليون ونصف المليون فدان بدلًا من تفتيت الملكية الذى تعانى منه الدلتا القديمة والذى يحرم الزراعة المصرية من الاستفادة من كثير من المزايا.. وقد شرح وزير الزراعة أن هذه هى رؤية الرئيس السيسى وأن هذا هو ما يدفع الدولة إلى انتظار وجود مستثمرين شجعان يدخلون لاستصلاح مساحات كبيرة فى مشروع المليون ونصف المليون فدان.. والتاريخ يقول إن الاستقرار يجتذب المستثمرين وهو ما يعنى أن الاستثمار قادم قادم لا محالة.. وزير الزراعة الذى بدا ذا أسلوب علمى ومنظم استعرض تقارير عدد من المؤسسات المالية الدولية مثل فيتشر والبنك الدولى، وصندوق النقد الدولى.. وقد أشادت كلها بجوانب مثل تقدم الصناعات الغذائية المصرية، ورخص أسعار المنتجات الزراعية، والنمو فى القطاع الزراعى بشكل عام سواء كان نموًا أفقيًا (زراعة مساحات جديدة) أو نموًا رأسيًا (زيادة المحصول لنفس المساحة المنزرعة من الأرض).. خرجت من لقاء وزير الزراعة بالصحفيين المصريين وأنا متفائل وأشعر بالفخر.. ذلك أننى أعتقد أن الزراعة هى روح مصر.. وأن المصرى هو فلاح قبل أن يكون أى شىء آخر.. وأن مصر تبقى بخير ما دامت أراضيها خضراء وأشجارها مورقة وهو ما يحدث الآن بالفعل.