الطريق إلى 30 يونيو «6».. مائة سبب لفشل الإخوان فى حُكم مصر
الجماعة خرجت من السراديب المُظلمة لأضواء الحكم فانكشفت سوءاتها وظهرت عيوبها
أشاعت الجماعة أنها تضم عباقرة ثم خرجت للرأى العام بمجموعة من «الكركترات» والمُهرجين والمُتحرشين بالمذيعات
أشاعت الجماعة أن هناك مؤامرة لإفشالها فى حين أنها هى من أفشلت نفسها منذ اليوم الأول
الإساءة للقوات المسلحة وقادتها ومحاولات الغدر المتكررة.. أشياء لم ينسها المصريون وردُّوا عليها فى٣٠ يونيو
استضافة الإرهابيين للاحتفال بحرب أكتوبر وإعلان الحرب على سوريا دون استشارة الجيش.. حماقات قادت مرسى لطريق النهاية
إذا كان السؤال هو لماذا فشل الإخوان فى الحكم؟.. فهناك عشرات الإجابات منها مثلًا أنهم فاشلون سياسيًا بدرجة امتياز، وأن عقيدتهم التكفيرية دفعتهم لمحاولة إزاحة الآخرين لا التعاون معهم.. وأنهم لم يستوعبوا درس التاريخ، وبدلًا من أن يفكروا فى التعاون مع الآخرين فكروا فى الانتقام من المؤسسة العسكرية على طريقة ها قد عدنا يا صلاح الدين.
أما فيما يخص ثوابت الأمن القومى المصرى، فيمكن القول إن الإخوان لم يكونوا جاهلين بها فقط.. ولكنهم أيضًا يعملون ضدها.. وقد تبدى هذا أكثر ما تبدى فى الحماقة التى ارتكبوها فى ١٥يونيو.. وقبل أسبوعين فقط من مظاهرات ٣٠ يونيو والتى سموها «مؤتمر نصرة سوريا»، حيث تم حشد ٢٠ ألفًا من التكفيريين والإخوان فى استاد القاهرة.. وصعدت على المنصة مجموعة من التكفيريين مثل محمد عبدالمقصود وطارق الزمر وقيادات السلفية الجهادية.. وكان معهم محمد مرسى يحمل العلم المصرى إلى جوار علم الجيش السورى الحر! وبدأ بما قاله وكأنه هتّيف فى مظاهرة وليس رئيس دولة.
وبلغت به الحماقة أن يعلن أن الجيش المصرى سيذهب للحرب فى سوريا إلى جوار تنظيم القاعدة والجيش السورى الحر التى يسميها «أحرار سوريا»! ولم تكن الحماقة فقط أن يعلن عن خطوة كبيرة مثل هذه دون أن يشاور قادة الجيش أو يستطلع رأيهم.. وهذه حماقة من الناحية الإجرائية.. أو حماقة من حيث الشكل.. لكن الحماقة من حيث المضمون تمثلت فى إقدام رئيس مصر على إعلان الحرب على «الإقليم الأول» وهو الاسم الذى حملته سوريا فى زمن الوحدة مع مصر.. ورغم فشل الوحدة ظلت سوريا أقرب الدول العربية لمصر، وظل أمنها جزءًا من أمن مصر.. حتى إن جيوشنا تحمل اسم «الجيش الثانى» و«الجيش الثالث»، لأن «الجيش الأول» كان هو الجيش المصرى السورى فى سوريا.
كانت الحماقة الثالثة تتمثل فى خطاب الكراهية الطائفى الذى أشاعه مرسى وشلة الإرهابيين معه.. حيث صوروا الحرب فى سوريا على أنها حرب «سنية شيعية» وطالبوا بالدفاع عن السنة.. فى حين أن أحد ثوابت السياسة المصرية على مر العصور هو عدم التورط فى الصراعات الطائفية فى المنطقة إلا فى حدود ضمان أمن الأشقاء العرب وصد أى اعتداء ضدهم.. كان مؤتمر نصرة سوريا كما سموه تجليًا من تجليات تحالف الإخوان مع حثالة الإسلاميين وبواقى التنظيمات التكفيرية والسلفية الجهادية، وهو تحالف هندسه خيرت الشاطر واستبدل به الإخوان علاقتهم بالقوى السياسية المدنية التى استشعرت رغبتهم فى التكويش والأخونة، وتأكدت من أنهم لن يمنحوها سوى بعض المناصب الصورية.. وكان القصور فى تفكير خيرت الشاطر يدفعه للتفكير إلى أنه يمكن أن يحسم الصراع بالقوة أو بالتلويح بها.. وهكذا راح يشترى ولاء بعض قادة الجماعة الإسلامية بالتمويل الخفى والعلنى ويستخدمها كفزاعة، وكان أفضل ما يعبر عن هذا تصريح طارق الزمر من على منصة رابعة «سنسحقكم فى ٣٠ يونيو».. وهو سيناريو سار فيه خيرت الشاطر ودفع إليه الإخوان حتى أحداث فض اعتصام رابعة وما تلاها من أحداث.. بل إنه فى اجتماعه مع المشير السيسى لوّح له بأصبعه وكأنه يدوس على زناد وهمى متحدثًا عما سيحدث لو تمت إزاحة الإخوان.. والحقيقة أن ٣٠ يونيو لم تكن انقلابًا على الإخوان.. ولكن الإخوان هم الذين كانوا انقلابًا على الدولة المصرية، وثوابت الأمن القومى المصرى وكان لا بد من إزاحة هذا الانقلاب.
كان من عوامل فشل الإخوان أيضًا حالة الانكشاف للجماعة أمام الرأى العام المصرى.. لقد ظل الإخوان سنوات طويلة يروجون للجماعة على أنها جماعة تضم عباقرة وأساتذة جامعات أفذاذًا، وعلماء لا يشق لهم غبار، وأنهم جماعة الأيدى المتوضئة.. فإذا بالجماعة تقدم مجموعة من المتواضعين فكريًا واجتماعيًا وثقافيًا للرأى العام.. كان القادة الذين يتم تقديمهم فى البرامج أقرب لمجموعة من «الكركترات» منهم للشخصيات السوية.. وكان أشهرهم صبحى صالح الذى أعلن عن أنه كان يتناول الغداء مع صديق له ساعة إعلان إتمام العبور! وسقطت أيضًا أسطورة الأيدى المتوضئة وشاعت قصص عن الانحلال الأخلاقى لبعض كوادر الجماعة.. وما زال الناس يذكرون مغازلة وزير الإعلام الإخوانى لمذيعة شهيرة فى قناة عربية عندما قال لها «أسئلتك ساخنة مثلك!».
وما زال العاملون فى الإعلام يتناقلون الطرائف عن المحامى الإخوانى أحمد أبوبركة الذى كان يتفانى فى تلبية طلبات الاستضافة فى البرامج التى تقدمها مذيعات جميلات ويعبر لهن عن هيامه وإعجابه فى الفواصل أو بعد انتهاء الحلقة!
مع حالة الانكشاف كان انتهاء حالة المظلومية التى تاجر بها الإخوان وحققوا من خلالها أرباحًا سياسية كبيرة وأرباحًا اقتصادية بمئات المليارات.. أصبح الإخوان فى الحكم.. تحت الأضواء الكاشفة.. غادروا موقع المعارضة الملكى.. الذى هندسه نظام مبارك بحيث يصبح المعارض نجمًا شعبيًا ومليونيرًا كبيرًا.. ما دام يعرف قواعد اللعبة ويجلس على موائد التفاوض فى آخر اليوم.. أمسك الإخوان سلك الكهرباء العارى فانصعقوا ونشفت الدماء فى عروقهم.. أما أهم أسباب فشل الإخوان فهو أنهم هم أنفسهم لم يعرفوا لماذا فشلوا.. والمعنى أن معرفة أى شخص بذاته هى نصف الطريق نحو حل مشاكله.. فى الطب النفسى يوجد ما يعرف بـ«الاستبصار» وهو يعنى أن يعرف المريض مشكلته.. كأن يقول للطبيب: أنا أعانى من الاكتئاب بسبب كذا وكذا.. أو جنون العظمة يطاردنى ويؤثر على حياتى.. هذا المريض واعٍ بمشكلته، ولهذا يكون على بُعد خطوات قليلة من العلاج، لأنه يعرف المشكلة ويبحث لها عن حل.. إن هذا وضع مختلف تمامًا عن مريض لا يعرف مشكلته فيذهب ليقول للطبيب إن المخابرات الأمريكية تراقبه.. وإن الوحى يأتى له من السماء.. وإن إخوته يريدون تسميمه.. إن الإخوان هم هذا المريض الذى ينكر مشكلته ولا يعرف حقيقة نفسه، ويظن أن العالم كله يتآمر ضده.. حتى الآن يردد الإخوان أنه تم إفشالهم.. أنا سأفترض صحة هذا الادعاء وأسأل: لماذا تم إفشالهم؟ هل لأنهم أرادوا التكويش على السلطة مثلًا؟ هل لأنهم كانوا يسيرون فى مخطط الأخونة بسرعة الضوء؟ هل لأنهم أصدروا الإعلان الدستورى عنوة واقتدارًا ومنحوا به محمد مرسى صلاحيات شبه إلهية؟ هل لأنهم غدروا بالقوة المدنية؟ هل لأنهم أهانوا القيادات التاريخية للقوات المسلحة أكثر من مرة؟ هل لأنهم أنكروا دور الجيش فى حماية الثورة التى يدعون أنهم جزء منها..؟ هل لأنهم تلاعبوا فى ثوابت الأمن القومى المصرى؟ هل لأنهم تحالفوا مع تنظيم إرهابى خارج مصر، وكانوا يستشيرونه فى شئون الحكم؟ هل لأنهم راهنوا على دعم السفيرة الأمريكية آن باترسون لهم، ولم تكن لديهم غضاضة فى أن تلعب دور المندوب السامى فى مصر ما دامت ستبقيهم فى الحكم؟.. هل لأنهم حاولوا الغدر بوزير الدفاع وقتها المشير السيسى أكثر من مرة، لولا أنهم أدركوا التفاف الجيش حوله، وأن العواقب ستكون وخيمة؟.. هل لأنهم ذهبوا للاحتفال بنصر أكتوبر بصحبة قتلة السادات مثلًا؟ هل لأنهم تجاهلوا القادة الذين حاربوا فعلًا واصطحبوا القتلة والإرهابيين للاحتفال؟ هل لأن قطاعًا من المصريين أغضبه أن يكتشف أن الإخوان ليسوا سوى نسخة رديئة ومدعية من أمانة السياسات فى توجهاتهم الاقتصادية والاجتماعية؟.. هل لأنهم كانوا يبتزون رجال الأعمال من خلال جمعية حسن مالك؟.
إننى ما زلت أذكر ما حكاه لى أحد كبار رجال الصناعة المصريين أثناء زيارة وحيدة لى له بناء على طلب منه.. أبدى الرجل إعجابه بما أكتب وتبادلنا أطراف الحديث.. أخبرنى بأنه قبل ثورة يونيو بشهر تلقى اتصالًا من حسن مالك ومجموعة شركاء له.. وأنهم قدموا له عرضًا لشراء جامعة خاصة يملكها بمبلغ ١٨ مليون جنيه! وهو ثمن شقة فى أحد أحياء القاهرة الراقية وليس ثمن جامعة خاصة بأراضيها ومنشآتها وإداراتها وطلابها.. قال لى الرجل إنه أدرك أنه يتعرض لمحاولة ابتزاز، وإنه لم يكن يملك القدرة على الرفض الصريح خوفًا من العواقب، وإن كل ما هداه إليه تفكيره هو أن يماطل فى التنفيذ انتظارًا لما سيحدث فى ٣٠ يونيو.. وإنه كان سيترك لهم الجامعة لو مر اليوم دون النجاح فى إزاحة الإخوان.
هذه فقط بعض أسباب فشل الإخوان وليس كلها.. وما زال فى الجعبة الكثير.. لقد شعر المصريون لأول مرة بالخطر على كيان الدولة المصرية وعلى ثوابتها.. وكان الإحساس قد وصل من قبل للنواة الصلبة فى الدولة المصرية التى لا تتحرك إلا إذا وجدت خطرًا يهدد كيان الدولة المصرية ذاته.. من هراءات الإخوان أنه كان هناك مخطط لإفشالهم منذ اليوم الأول، وهى كذبة اخترعها الإخوان وصدقوها.. والحقيقة أن مؤسسات الدولة كلها كانت تدعم محمد مرسى فى الشهور الأولى فى الحكم حتى اكتشفوا حجم الخلل فى تفكيره وفى تفكير من يديرونه من خارج القصر الرئاسى.. وأن وجوده خطر على بقاء الدولة المصرية، ومع ذلك استمرت المؤسسات فى إسداء النصح، ومحاولة لم الشمل، ورأب الصدع، والدعوة للحوار.
لقد أدركت المؤسسة العسكرية أن ثمّة خطرًا على الوضع فى سيناء، وثمة خطرًا على الوضع فى قناة السويس، وثمة محاولات للتنازل عن حلايب وشلاتين كهدية لرئيس سودانى إخوانى الهوى.. وثمة حماقة تحاول توريط الجيش المصرى فى سوريا سبقتها حماقة فى اتجاه معاكس تمامًا لفتح البلاد للسياح الإيرانيين وإدخال مصر فى المحور الإيرانى، مع «هرتلات» إخوانية تقترح تأسيس حرس ثورى إخوانى يكون بديلًا عن الجيش والشرطة، وأخبار متضاربة عن زيارة سرية من قاسم سليمانى إلى مصر لتقديم خبرته فى هذا المجال.. وهكذا لم يأتِ شهر مارس إلا وكان الجميع يدرك أن المسألة مسألة وقت.. وأن البلاد لم تعد تحتمل المزيد من الفشل والتخبط.. وكانت الدعوة التى وجهتها القوات المسلحة للنخبة المصرية لحضور تفتيش حرب على الفرقة التاسعة مدرعات علامة لا تخطئها عين.. كان ذلك فى مايو.. وقال المشير السيسى إنه ينصح المصريين بالتوجه لصناديق الانتخاب والوقوف أمامها، وإن هذا أفضل من التدخل المباشر للجيش.. ولم يكن المشير يقول سوى حقيقة ما يفكر فيه فعلًا.. فقد كان السيناريو الأكثر ترجيحًا فى عقله هو الدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.. يكون الإخوان طرفًا فيها.. لكنهم رفضوا.. وواصلوا حماقتهم التاريخية ورغبتهم فى الصدام مع المجتمع ومع الدولة المصرية.. مع أن تعريف الغباء هو أنه تكرار الفعل ذاته فى كل مرة مع انتظار نتيجة مختلفة.. وهذا هو عين ما يفعله الإخوان.. يكررون أفعال التآمر والصدام فى كل مرة مع انتظار نتيجة مختلفة.. مع أن النتيجة لن تكون مختلفة.. لا اليوم ولا غدًا ولا بعد غدٍ.. ما دام الإخوان هم الإخوان.. ومصر هى مصر.
الحلقة المقبلة:
مصريون فى عين الشمس.. كيف نزلت الملايين الشوارع؟