سنوات التصحيح
نحن على بُعد أيام من الذكرى الثامنة لثورة ٣٠ يونيو.. أؤمن بأنها كانت ثورة لتصحيح أخطاء الدولة المصرية.. فى مستواها المباشر هى ثورة ضد الإخوان.. لكن صانع هذه الثورة كان يدرك أن هناك أخطاء فى الدولة قادت إلى صعود الإخوان.. المؤامرة كانت موجودة دائمًا.. لكن التراخى والشيخوخة جعلا مهمة من يتآمر أسهل.
أتخيل أن الرئيس السيسى درس تاريخ الدولة المصرية فى عهودها المختلفة.. وحدد مميزات وعيوب كل مرحلة.. وأنه حريص للغاية على أن يتخلص من العيوب ويستبدلها بالمميزات.. أنا من الذين يعتقدون أن كل ما أقدم عليه الرؤساء المصريون كان لا بد من الإقدام عليه.. لكن المشكلة كانت فى التنفيذ.. كيف تنفذ ذلك؟ على الأقل حدث ذلك منذ السبعينيات.. قرار الانفتاح الاقتصادى كان صائبًا لكنه نُفذ بطريقة خاطئة.. كان لا بد من انفتاح مخطط يقوم على الصناعة، كان لا بد أن يتم استدعاء الأسر الصناعية القديمة فى مصر، وتشجيعها على العودة للتصنيع، كان لا بد من قوانين لحماية الصناعة المصرية والحد من الاستيراد، وكان لا بد للدولة أن تكون شريكًا مع هؤلاء فى الربح، لأنها تمنحهم فرصة ذهبية لبيع منتجاتهم فى سوق قوامها ملايين المستهلكين.. لكنّ شيئًا من هذا لم يحدث.. ربما بسبب الغفلة.. أو التقصير.. أو أمور أخرى.. دون ذرة مجاملة أثق فى أن السيسى لو كان موجودًا وقتها لأدار الأمر بطريقة أخرى.. وأنه يستوعب ما حدث ويحاول تنفيذه بطريقة تناسب الزمن الذى نحيا فيه.. الأمر نفسه ينطبق على السلام مع إسرائيل.. خطوة تاريخية جبارة.. لكنها تمت بطريقة صادمة.. متعجلة.. سقطت فيها تفاصيل كثيرة.. وبالتأكيد كان يمكن إخراجها بشكل أفضل من هذا.. الأمر نفسه ينطبق على شىء آخر قد يشكل لك صدمة.. الإفراج عن الإخوان.. ربما كان ضروريًا وقتها بعد هزيمة يونيو ومع التحالفات الجديدة لمصر.. ولكنه أيضًا تم بطريقة فاضحة وليس فقط خاطئة.. هناك فارق بين التسوية القانونية لمتهمى الجماعة وبين تسليم المجتمع المصرى للجماعة، وهذا هو خطأ الرئيس السادات.. نفس الأمر ينطبق على بعض الخطوات التى قام بها الرئيس مبارك.. تعمير الساحل الشمالى مثلًا، هل كان يجب أن يتم بهذه الطريقة؟!.. شريط ساحلى لا يتجاوز كيلومترًا واحدًا والباقى صحراء!، وحتى هذا الشريط تم تقسيمه كقرى فقيرة للنقابات المهنية والعمالية لا تصلح أن تكون أساسًا لحركة سياحة أو فندقة!.. السيسى كان سيفعلها بالطريقة الصحيحة.. لا لشىء إلا لأنه يبذل مجهودًا أكبر عشرات المرات.. لأنه يعمل ويحترم العمل.. هذه قيمة أهدرها بعض الرؤساء المصريين.. بعضهم تعامل مع الرئاسة على أنها مكافأة نهاية خدمة.. السيسى تعامل معها كمهمة وطنية تقتضى أن يبدأ عمله «سبعة الصبح».. بعضهم يقول إن كل ما يتم تنفيذه من مشاريع كان مخططًا من قبل ثورة يناير.. وهذا صحيح جزئيًا.. لكن الحقيقة أن ما كان مخططًا له أن ينتهى فى ٢٠٥٠ انتهى فى ٢٠١٢.. وأن الأداء كان غالبًا سيتم بطريقة ما مضى.. خطة سليمة يتم تنفيذها بطريقة خاطئة.. الفارق فى مصر الآن هو الروح التى تسيطر على الأداء والرؤية التى تجعل من كل مشروع يتم قطعة «بازل» فى لوحة كبيرة هى مستقبل مصر.. إننى أحترم جدًا كل مشروع يتم ويحدث زملائى الناس عنه.. كل مشروع وراءه قصة كفاح وعرق وتخطيط، ولكن المشاريع فى حد ذاتها ليست بطل القصة.. البطل هو الرؤية التى وراء المشاريع والهدف الذى يتحقق من ورائها وليست هى فى حد ذاتها.. قد ننفذ مثلًا مشروعًا ما.. أو لا ننفذه لأننا قررنا توجيه الجهود فى اتجاه آخر.. فى الحالتين هناك مجهود يتحقق ورؤية يتم تنفيذها سواء نفذنا هذا المشروع أو ذاك.. تحية لثورة يونيو وللرؤية التى تحكمها، لأنها رؤية وطنية متجردة تؤمن بالعمل وتترفع عما سواه.. وما أحوجنا جميعًا لأن نؤمن بالعمل ونترفع عما سواه.