«اختلس مكعبات السكر».. طلعت شاهين يروي ذكرياته مع توفيق الحكيم
سرد الروائي والمترجم الكبير الدكتور طلعت شاهين، حكاياته مع الأدباء والمثقفين، وضمن حكاياته لـ"الدستور" كانت هناك حكاية تتعلق بأديب مصر الكبير توفيق الحكيم.
يقول طلعت شاهين:" خلال إجازاتي أثناء الخدمة العسكرية وبعد حرب أكتوبر كنت مثل كل شباب الكتاب أتردد على مقهى ريش، خاصة جلسة نجيب محفوظ يوم الجمعة، وعلى بابا أو أحضر سهرات أسترا كل خميس، وفي بعض الأحيان كنا نتجمع في مقهي سوق الحميدية التي كانت مستقرا شبه يومي لرسام الكاريكاتير الشهير رخا مع صديقه عباس الأسواني، والد علاء الأسواني، لكني لم أصادف مطلقا توفيق الحكيم في أي مكان، ولم أكن أميل إلى الذهاب إلى جلساته في مكتبه بجريدة الأهرام رغم إلحاح صديقي العزيز المرحوم شمس الدين موسى، بالطبع كنت معجبا بروايته "يوميات نائب في الأرياف" وكتابه "حمار الحكيم" الذي كنت ولا أزال أعتقد أنه كتبه بعد اطلاعه على كتاب "بلاتيرو وأنا" للكاتب الإسباني خوان رامون خيمينيث. أما الرائع حسين فوزي فقد كنت شغوفا بالاستماع إلى شروحه لروائع الموسيقى العالمية في البرنامج الثاني، برنامج تثقفنا موسيقيا من خلاله.
وواصل:" بعد سفري إلى إسبانيا تصادف أن المهرجان العالمي للمسرح انعقد في إسبانيا وأرسلت مصر وفدا رفيعا مكونا من توفيق الحكيم وحسين فوزي وبدر الدين أبو غازي الذي شغل منصب وزير الثقافة لفترة قصيرة جدا بدأت في نوفمبر 1970 سرعان ما انتهت بانقلاب السادات في 15 مايو 1971، وهو والد الدكتور عماد أبو غازي وزير الثقافة الأسبق الذي تولى منصبه بعد ثورة يناير واستقال احتجاجا على قمع المتظاهرين في واقعة محمد محمود الشهيرة، ونظرا لعلاقة قديمة لي مع الأستاذ بدر الدين أبو غازي من خلال الفنان المصري المقيم في باريس وقتها حامد عبد الله وابنه مؤنس، وكثيرا ما كنت أزوره في مكتبه بمقر "جمعية محبي الفنون الجميلة" بجاردن سيتي.
وتابع:" عند وصول الوفد إلى مدريد سأل عني بدر الدين أبو غازي. في اليوم التالي ذهبت إلى فندق الكونتيننتال الذي كانوا يقيمون فيه، عند دخولي بهو الفندق حدثت مشادة مع موظفي استقبال الفندق لرفضهم دخولي نظرا للحراسة المشددة المفروضة على الوفد المصري تحديدا، فقد جاءت الزيارة بعد تهديدات لشخصيات مصرية كثيرة بالاغتيال بسبب معاهدة كامب ديفيد، إلا أن أحد أعضاء السفارة تمكن من إقناع موظفي الاستقبال بأنني صحفي مصري معروف لديهم وأنني موجود بناء على طلب أحد أعضاء الوفد المصري.
وأكد:" هناك وجدت نفسي وجها لوجه مع توفيق الحكيم لأول مرة في حياتي، كان الرجل في أواخر حياته ويبدو متعبا محني الظهر يتوكأ على عصاه الشهيرة لكنه كان يتمتع بحس فكاهي، إضافة إلى أنه كان يشكل مع حسين فوزي ثنائيا لطيفا يتوكأ كل منهما على الآخر خلال تحركاتهما في بهو الفندق. بعد حديث جانبي مع المرحوم بدر الدين أبو غازي حول حياتي الجديدة في إسبانيا وأنشطتي الدراسية في مدريد، إذا بتوفيق الحكيم يقول لي: "أستاذ طلعت، بما أنك تتحدث لغة هذه البلاد، هل يمكنك أن تطلب لي فنجان قهوة مضبوط". كان هذا الطلب وقتها مستحيلا لأن إسبانيا لم تكن تعرف القهوة العربية، ولا علاقة لهم بالقهوة المضبوط أو على الريحة وخلافه من أنواع القهوة التي اعتاد عليها الحكيم في مصر، وأن القهوة هنا إما قهوة سادة أو قهوة بالحليب، والسكر يأتي عادة على الطبق إلى جوار الفنجان وعلى الشارب أن يحدد كمية السكر التي يضعها، شرحت له الوضع فضحك وقال: "إذن فنجان قهوة سادة بدون حليب".
واستطرد:"عندما جاء الجرسون بفناجين القهوة وضعها على الطاولة أمامنا، وكان السكر وقتها عبارة عن مكعبات صغيرة مغلفة في ورق أبيض فاخر، على الفور مد توفيق الحكيم يده وأمسك بمكعبات السكر جميعا ووضعها كلها في جيب الجاكيت، بعد قليل تساءل حسين فوزي عن سكر، ضحكت وأشرت إلى الحكيم وقلت له "في جيب الأستاذ توفيق"، حاول الحكيم أن يتجاهل ما قلت وكأنه لم يسمع كلامنا فأشرت إلى الجرسون وطلبت منه مزيدا من السكر.
تكرر الأمر بعد تناول طعام الغداء ثم بعد ذلك خلال الاستراحة بعد الغداء، أردت أن أداعب الحكيم فسألته: "أستاذنا هل وضع السكر في جيبك شيء تمارسه لمجرد المداعبة أم ممارسة لما هو معروف عنك بالبخل". ضحك توفيق الحكيم وقال مفسرا: "لا أبدا والله يا أستاذ طلعت، كل الحكاية أنني أستيقظ كثيرا ليلا ونظرا إلى أنني مدخن شره فإنني أشعر بمرارة في حلقي فأضع مكعبا من هذا السكر يغير طعم الريق".
وأكمل:" استغل بدر الدين أو غازي هذه الإجابة وبدأ فاصلا من المداعبة شارك فيه حسين فوزي حول حكايات "بخل" توفيق الحكيم، وأخذ حسين فوزي يذكّره بأنه لم يدفع مطلقا ثمن القهوة التي يشربها في مكتبه بجريدة الأهرام كلما زاره، بينما يشرب الحكيم قهوته في مكتب حسين فوزي ويطلب من الجرسون أن يضيفها على حساب حسين فوزي، وكان رد الحكيم: "يا حسين الكدب خيبة، لا أنا ولا أنت بندفع ثمن القهوة التي نشربها في مكاتبنا في الأهرام ولكن كان يدفعها حسنين هيكل".