الروائية رشا عدلى تروى حكايات الطفولة والمصيف
عن صورة الطفولة في حياتهم، والسنوات الأولى، وعن الجنة والجحيم، وعن التطرف الجميل في اللعب مع الوقت، وعن ما وراء الصورة من حكايات، تحدث الكثير من الأدباء لـ«الدستور» عن هذه الفترة.
تقول الروائية رشا عدلي: "ذكريات وصور الطفولة مرتبطة عندي بمصيف العائلة في مدينة رأس البر كان جدي يملك فيلا على البحر قام بشرائها في أربعينيات القرن الفائت، ذلك عندما كانت ما تزال تسمي هذه المباني ( عشة ) لأنها مبنية بالخوص".
شاطىء رأس البر
وأضافت: "كانت جدتي في بداية الصيف تذهب لهناك مع بعض النساء والتي تقمن بمساعدتها لتنظيف وتجهيز المكان للعائلة الكبيرة من الأبناء والأحفاد الذين يجتمعوا بعد انتهاء الامتحانات مباشرة، وكنا نمكث حتى بداية العام الدراسي الجديد في بداية الخريف. كان ذلك في بداية الثمانينات كان كل شيء جميل ومختلف، بدءًا من اجتماع العائلة على مائدة الإفطار ومن ثم الذهاب للبحر والسباحة، ولعب كرة الشاطئ وبناء بيوت وتماثيل من الرمال، شراء الفريسكا وأم الخلول، وفي المساء حفلات الشواء والموسيقي ولعب الكوتشينة كانت حقا أيّام جميلة ومختلفة وسط حميمية ودفء العلاقة وارتباطهم. هذا الترابط الذي للأسف لم يعد موجود الآن فكل شخص مشغول بهاتفه وعالمه الخاص بعيدا عن الأخر".
وتابعت: "في اوائل التسعينيات، ومع ازدحام مدينة رأس البر وفتح الشاطئ الخاص للعامة لم يعد هناك خصوصية لذلك قررت العائلة بيع الفيلا وبدأ الجميع يتجهون للشراء في الساحل الشمالي، ومن بعدها لم يعد يجمعنا مصيف ولكن دائما كانت ذكري هذه الايام الجميلة باقية في ذاكرة كل واحد منا فعندما نتجمع سويا في أي مناسبة يجزم الجميع وكثيرون منهم يقضون صيفهم في شواطئ اوربا أن اجمل مصيف واجمل مكان وأجمل ذكريات كانت مدينة رأس البر".
قصص جدتي
وتتذكر رشا عدلي، قائلة: "في بعض الأمسيات الصيفية الجميلة في الشرفة التي تفتح على البحر كنا نلتف (الأحفاد) وكانت أعمارنا متقاربة حول جدتي وهي حكائة ماهرة لتقص لنا الحواديت والقصص.. كانت جدتي رحمها الله تملك قدرة رائعة لمزج الواقع بالخيال فكانت تستعير شخصيات قريبة مننا وتصنع لهم حكايا".
وتستكمل صاحبة على مشارف الليل: "تبدأ حودايتها دائما بجملة تأسرني (كان يا ما كان زمان في سالف العصر والأوان) وبصوتها الدافئ الخفيض كانت تأخذني لعالم سحرىي.. كنت حريصة على أن أبقى قريبة منها ومنتبهة تمامًا لما تقوله عكس بقية الأحفاد الذين كان يذهبون الواحد بعد الأخر أو يبقون دون انتباه بينما أظل أنا ملتصقة بها حتى انتهاء الحدوتة وكانت هي تمسح براحتها خدي وشعري فكنت أشعر بالأمان والطمأنينة".
وتختم رشا عدلي: "اعتقد أن هذه الحودايت التي سمعتها من جدتي في عمر صغير جدا هي ما جعلتني أهيم دائما في عالم خيالي فبينما كانت الأطفال تلعب الاستغماية و نط الحبل وهذه الأنواع من الألعاب كنت أنا أغلق باب غرفتي وأرص الدمي وأطلق على كل واحدة اسم وانسج لهم قصص وحكايات وأحدثهم والعب معهم وأحيانا أصيح فيهم. ولأيماني لمقولة أن هناك دائما شيئا ما يحدث في طفولتنا تظل إثارة معنا طوال العمر فلولا حواديت جدتي الحكائة الماهرة لما أصبحت أنا مؤلفة . اليوم وبعد مرور كل هذه السنوات من حين لأخر أتذكر هذه الشرفة المطلة على البحر والنسمات التي تهب حاملة عبيره، صوت الموج يصاحبه صوت جدتي الدافئ والنجوم فوقنا في السماء مرصوصة كحلى تزينها. نعم أتذكر هذا كله فأشعر بالحنين".