الدال والمدلول
ما تيجي يا أسطى نتكلم شوية عن "رجل الكنبة"، بس عشان نتكلم عنها لازم الأول نرغي عن "المجاز الميت"، إنما الحديث عنه يستلزم دردشة حوالين "المجاز" قبل ما يموت، يبقى لازمًا نقول كلام بـ خصوص "المواضعة"، اللي ضروري قبلها نناقش "الدال" و"المدلول" والعلاقة بينهم.
أهي دي بقى (الدال والمدلول والعلاقة بينهم) هي المدخل بـ النسبة لي لـ فهم أي شيء في الكون، بـ معنى أي شيء، وربنا يرحمك يا دكتور نصر أبوزيد.
المهم، نبدأ الحكاية من أولها: الإنسان عنده مخ (والحيوان كذلك)، المخ دا فيه أفكار ومشاعر وهكذا وهكذا، قوم إيه، الإنسان عايز ينقل لـ إنسان تاني بعض من الحاجات دي.
بـ النسبة لـ إخواتنا الحيوانات، الاحتياج دا أقل مننا بـ كتييييييير جدا، لـ سببين:
أولا، ما يدور في ذهنه أساسا ينعكس عليه بـ صورة طبيعية، ملامحه، حركات جسمه، ما يصدر عنه من أصوات، فـ مش يبقى محتاج أوي وسيلة لـ نقله.
ثانيا، معندوش حاجات معقدة، ولا لافة على بعضها، ولا مفاهيم مجردة غير محسوسة، بـ غض البصر عن نقلها.
مفيش كلب بـ يفكر في "حتمية الحل الاشتراكي"، ولا أخطبوط مشغول بـ "جوارديولا عبقري ولا أوفر ريتيد"، ولا أسد عايز يناقش مراته (لا مؤاخذة يعني) في "آليات السرد عند يوسف إدريس".
طبعا، الحاجات دي وشبيهاتها مكانتش موجودة عند الإنسان في مراحله الأولى على الأرض، لكنها اتوجدت واحدة واحدة، والأمور تطورت واحدة واحدة.. فـ كل ما تنشأ عنده "فكرة"، يبقى عايز ينقلها لـ اللي حواليه، يزيد احتياجه لـ وسيلة نقل، فـ الهبهبة والطنطنة تبدأ تنتظم في أصوات.
بـ مرور الوقت الأصوات دي بدأت يتكون لها منظومة، والمنظومة يوم بعد يوم تزداد ترتيبا وتماسكا وتعقيدا، المنظومة الصوتية دي هي اللغة.
لكن، مهما بلغ الأمر وأين وصل، تفضل الطريقة هي هي، وهي إيجاد دال لـ كل مدلول..
يعني إيه؟ خلينا نفكر في إشارات المرور، دلوقتي، الأمر هو: قف/ ما تتحركش/ ممنوع تعد، الأمر دا اسمه "مدلول"، فـ إحنا هـ نحط لك لمبة حمرا، اللمبة الحمرا دي "دال"، "دالّ" بـ تشديد اللام، يعني "يدل على"، اللي هي على وزن خاص وعام، خاص = يخص، عام = يعم.
تقريبا كدا، كل أشكال تواصل الإنسان هي دوال ومدلولات، سواء كان تواصل مباشر أو غير مباشر، مقصود أو غير مقصود، يدركه حتى الإنسان أو لا يدركه.. إنما القصة كلها في الدال والمدلول والعلاقة بينهم.
"باب"، هي أصوات نصدرها بـ نظام معين، الأصوات دي دالّ، الحاجة الموجودة فعلا اللي هي مدخل لـ البيوت وما شابه، بـ تتقفل، فـ تمنع الدخول إليه والخروج منه، وتتفتح فـ تسمح بـ دا، الشيء دا نفسه مدلول.
موضوع الدال والمدلول دا، والعلاقة بينهم طبعا، فيه ناس أفنت عمرها، وخمس ست أعمار جنبها، وهي بـ تدرسه وتحلله، وتحاول تفهم طبيعته وماشي إزاي، فـ مش هـ نعرف خالص نلمه، ولا حتى في 100 مقال، إنما فيه حاجات نقدر نتكلم فيها سريعا:
أولا، مفيش أي علاقة نهائي بين الدال والمدلول، مفيش مفيش مفيش، إلا حاجة واحدة فقط، هي اتفاق الجماعة دي من الناس، إنه هذا الدال يخص هذا المدلول.
بـ التالي: "المعنى (الأصلي) لـ الكلمة"، هذا شيء لا وجود له، وافتراض إنه الدوال في حد ذاتها ليها مدلولات، افتراض غير صحيح، الأمر مرتهن بـ اتفاق الجماعة، طبعا، الأمر ليس بسيطا.. أصله مفيش تحديد لـ "الجماعة" دي، كما إنه الزمن بـ يمشي، والناس بـ يكبروا ويتجوزوا ويخلفوا، ويموتوا بعد كدا، وولادهم يكبروا ويتجوزوا ويخلفوا، ويموتوا بعد كدا، فـ هو موضوع متحرك.
كما إنه "الاتفاق"لا يحدث بـ قرار، اللي هو نصحى الصبح، نسمع التعليمات، هذا الدال لـ ذلك المدلول، بـ التالي: الأمر متحرك بـ صورة لا نتخيلها، إنما هذه الحركة، وإن تسببت في إننا نتوه، ومش قادرين نمسك حاجة واضحة، ما يخليناش نفترض شيء لا وجود له.. مكتوب علينا نتعب، في تتبع استخدام الدال، عبر الأزمنة والأمكنة المختلفة.
لكن وإحنا بـ نتتبعه، تفكيرنا يبقى: كيف ولماذا استخدمت الجماعة دي هذا الدال، مش: هو الدال دا مدلوله إيه؟ والله أعلى وأعلم.