«معالج المشاهير».. ماذا قالت الكاتبة مي زيادة عن المعلم برسوم المجبراتي؟
في عددها الصادر بتاريخ الاثنين 17 يناير 1916 نشرت مجلة "اللطائف المصورة"، علي كامل صفحتها الأولى، نعيا للمعلم الشيخ "برسوم" المجبراتي، تحت عنوان "الشيخ الجليل المرحوم برسوم المجبر الشهير"، وقالت في افتتاحية النعي، مات برسوم المجبر.. مات رجل مصر الشهير فى صناعة الجبر عن سبعين عاما قضاها في خدمة أبناء وطنه فى علاج أوجاعهم وآلامهم، وتصليح كسورهم ووصلت شهرته الآفاق وكان من إنسانيته أن يبدأ العلاج بالحالات التي يصعب انتظارها، و كان مثالا للنشاط و حب الخير وكان يعالج الفقراء مجانا ولا يتقاضى مليما.
- مؤسس الطريقة البرسومية ومعالج المشاهير
كان المعلم "برسوم" من مشاهير الأقباط فى علاج الكسور وكانت عائلتة تتوارث هذه المهنة جيلا بعد جيل، وكانوا يحرصون على كتمان أسراره، وقد ورث المعلم برسوم المهنة وأتقنها عن والده المعلم إبراهيم جبر الله حتى سميت بــ"الطريقة البرسومية" ونقلها إلى ابنه الأكبر يوسف أفندى.
عالج المعلم "برسوم" كبار رجال الدولة والمشاهير مثل الخديوى عباس حلمى، والسلطان حسين كامل وكانت عيادته فى مدخل شارع الفجالة مكتوبا عليها مجبراتى جلالة الملك.
- نعي مي زيادة له
كما عالج المعلم برسوم الكاتبة "مي زيادة" والتي كتبت عنه، بعد أن عالج كسر تعرضت له في يدها فى جريدة المحروسة فى 19 يناير 1916. قائلة: رحمة الله عليك يا برسوم منذ عامين ونصف تقريبًا وقعتُ وأصاب شمالي صدع في الساعد وكسر، فالتف حولي السيدات والفتيات شفيقات متأسفات، وقال بعضهن بصوت واحد: «أسرعي إلى برسوم!» قلت: «من هذا برسوم؟» أَجَبْنَ: «اسألي في أي أجزخانة تجدينها في طريقك عن برسوم المُجبِّر، فكل الناس يعرفونه».
وتابعت عدت إلى البيت وانتظرنا المعلم برسوم ساعات لم يستطع خلالها إهمال الزائرين عنده من كسيري العظام مثلي، وكان بعضهم آتيًا إليه من الأرياف، ها أنا أرى خياله الآن كما رأيته يومئذٍ وعلامات الغضب بادية على وجهه، ينظر إليَّ شزرًا كأني ألحقت به أذى وكأنه آتٍ ليناقشني الحساب، حيَّيتُه بكلمة طيبة ولا أذكر أنه ردَّ عليَّ السلام، بل أسرع إلى لمس يدي، ويا لها من لمسة دونها لمسة الموت هولًا! إذا كان جَبْرُ العظام موجعًا إلى هذا الحد، فكم من قلوب كسيرة لا يهتم في جبرها أحد! وكم من نفس ممزقة وليس من يد راحمة تضمِّد جراحها ولو بمثل تلك اللمسة القاسية!.
- لم أخش أحد كما كنت أخشاه
وأضافت الكاتبة الشهيرة، لم أخش أحدًا في حياتي كما كنت أخشاه، حتى كنت أساءل نفسي عما أستطيع أن أفعله لاستجلاب رضاه وإقلاعه عن إيلامي بتلك الضغطة الغضنفرية، ولمَّا يأتي اليوم الرهيب يوم مجيئه كنت أبكي سلفًا وأتمنَّى أن يغمى عليَّ سلفًا كي تفوتني مرارة تلك اللحظة، لحظة إرجاع العظم إلى موضعه حتى إذا ما اصطلحت يدي وكادت تعود إلى ما كانت عليه، أخذ وجه المعلم برسوم بإبداء البشاشة رويدًا رويدًا، وانتشرت رغبة الابتسام على ملامحه، وجاء يومٌ ابتسم فيه بسمة مستكملة الأوصاف، تبعتها بسمات وأحاديث شتى، فطفق يخبرني عن مهنته، وعن خصائص العظم وكيفية إصلاحه إلى غير ذلك من الحوادث العديدة التي مرَّت عليه.
وقالت أنها سألته كيف عرف وجعي دون أن يفحص يدي، فأجاب أنه لطول الاختبار أصبح يكتفي بلمحة صغيرة للعضو المكسور ليعرف موضع الخلل فيه،كنت أُصغي إليه ولا أصدق أن (الدكتور) برسوم الذي يُغضِب ويوجع ولا يرد التحية هو هو الذي يحدثني بهذا اللُّطف وبتلك البسمة.رحمة الله عليك، يا مجبِّر يدي، كَثُرت الوجوه التي رأيتَها في حياتك، وكثرت العظام التي كنت لها مقوِّمًا، لكن الوجيع الذي رآك مرة لا ينساك، ولعل ذاكرتنا لا تحفظ صورة من الصور بمثل الأمانة التي تحفظ بها صورة مَن أوجعنا ليفدينا؛ ولذا أودُّ أن أقول عن موتك وفقدك شيئًا فيعصاني القول لأن صورتك حية أمامي، رحمك الله رحمة واسعة.