«حاولت الانتحار بالرصاص».. رشدى أباظة يحكى عن أسوأ لحظات حياته
في شهر أبريل عام 1971 نشرت مجلة " الشبكة" اللبنانية في عددها الصادر يوم الإثنين 12 أبريل، وتحت عنوان "بعد ستين يوما من الصمت"، رشدي أباظة : كدت أقتل نفسي رميا بالرصاص!! حوارا مع الدونجوان، وفيه تحدث على سجيته عن سر محاولته الانتحار، إثر احتدام المعركة، معركة الخلاف بينه وبين سامية جمال!، قال هذا بعدما غاب 60 يوما عن بيته، تائها في الفنادق، منهكا بسبب الأرق، كاشفا عن السر الحقيقي لخلافه مع سامية، وفى الحوار كشف عن سر طرده أقارب سامية جمال من غرفته، وحيرته بين زوجته وابنته، فإليكم نص الحوار كما نشر دون تدخل منا، وبعد نشر الحوار ضمنه الكاتب الصحفي في كتابه المعنون بـ"الدونجوان".
يقول مراسل الشبكة: نحن في فندق فلسطين، برنامج التليفزيون يعرض رقصة لسامية جمال من أفلامها القديمة، الدموع في عيني رشدي يبتلعها تباعا، تنتهي الرقصة، يقرع كأسه بكأسي.. عفوا، يقرع كأسيه بكأسي، فهو يشرب من أحدهما الويسكي صافيا، ومن الثانية الماء مثلجا، ويقرش الثلج من عصبيته!.
وبدأ يتحدث، نظر إلى التليفزيون كأن التليفزيون مخلوق قليل الأدب يشوش علينا، فقام وأغلقه وقال: أصبحت مرهق الأعصاب، أنا في الأعوام الثلاثة الأخيرة عملت بغير توقف، ولا راحة، مرت بي أيام كنت أتمنى أن أنام فيها أربع ساعات، فيعز النوم من فرط المواعيد المتلاحقة، أعترف بأن سامية نبهتني لهذا، وقالت لي: إنني أنفق من رصيد الصحة ذاك الذى لا عوض عنه، ولكن مسئولياتي وارتباطاتي كانت أكياس قطن، أكياس قطن تسد أذني، وأنت مرهق الأعصاب لا تحتمل شيئا.
ثم استطرد: أنا أخطأت ــ وقذف ببقية كأس إلى جوفه وعب الماء المثلج وقرش الثلج، ــ ثم قال: عدت إلى البيت لآخذ كأسا، وأسمع الموسيقى، وأتحدث إلى سامية كما هي عادتنا، ولكني وجدت فى البيت نارا، الخلاف هذه المرة بين اثنين يتربعان فى قلبي، ولا أستطيع أن أزحزح واحدة لأفسح للأخرى مكانا أكبر.
الخلاف بين سامية وابنتي قسمت، لم أكن أؤمن بالحسد، ولكن لا بد أن الموقف كان ابن الحسد، فقد كانا وكما يقول المثل الشعبي كـ "السمن على العسل"، وكنت أعجب لوقفاتهما الصلبة أمامي إذا كانت المعركة بيني وبين واحدة منهما، كنت دائما أعتبرهما معسكرا واحدا، وأنا المعسكر الثاني، فكيف ينشطر هذا الحلف؟! كيف يتمزق هذا الحب؟!
الشبكة: هل عرفت السبب؟
رشدي: هو باختصار حرص من سامية على قسمت، عقدة زوجة الأب التي تريد أن تنشر على بنت الزوج ظلًا من الحب والرعاية لا ترقى إليه شبهة، أحيانا يكون هذا الظل قيدا، والبنت "قسمت" حبيبتي أصغر من أن تفهم أن هذا الذى تفعله سامية لصالحها، ألف مرة لصالحها.
الشبكة : إذن ماذا؟ هل أنت تعترف أن سامية على حق؟
رشدي: ألم أقل لك إنني أخطأت؟ بل قلتها وتمهلت حتى تضع تحتها خطًا، ولكن لي بعض عذري، فأنا كما قلت لك مرهق، وحين أعود إلى البيت لأجد خلافا، أحس بأن أعصابي تنوء بكل هذه الأثقال، حاولت أن أرجئ الحديث، فأصرت سامية عليه، فأخطأت ثم استغفرت، ولكن سامية لم تغفر، عندئذ حملت حقيبتي وذهبت إلى الفندق، فندق شبرد أولا، فلم أطق فيه نوما، فغيرته، وذهبت إلى فندق عمر الخيام، ظننت أن النوم صناعة الفنادق، فاكتشفت أنه صناعة داخلنا، صناعة حالتنا النفسية، عز النوم، ومع الأرق راودتني عشرات الأفكار القاتلة!
الرصاص قرب صدري
واستطرد رشدي يقول: وفى لقاء مناقشة مع سامية وجدتها غير من عرفت، في كل مرة كان الصفح على باب قلبها، والغفران على طرف لسانها، إلا هذه المرة، وكنت أؤكد لها أنني أحبها، وأعترف لها بأنني أخطأت، فلا تلين، عمري ما رأيتها هكذا، وكان في جيبي مسدسي، وابن عمي طاهر أباظة معنا!، كان يرى في عيني بريقا لم يره من قبل، بريقا من صنع اليأس الذى يحيط بي، ومددت يدي إلى جيبي ولكنه كان أسبق مني، انتزع مسدسي وهو يقول هل جننت؟!
مراسل الشبكة: لا لم يمسك رشدي عبراته سالت وتركها تتقاطر، وظن أن رشفة الويسكي تجففها، فصار الويسكي ينبوعا آخر للعبرات، احترمت دموعه، أحنيت رأسي، دموع الرجل أغلى ما عنده، كانت كل قطرة تقول لي إن هذا الرجل حلو القلب، حلو الروح، عاشق، رطن رشدي بالإنجليزية، واعتذر بالفرنسية، وأخذ رشفة أسكتلندية ثم قال:
وافترقنا بعد العتاب، هي إلى شقتها، وهى تطلب الطلاق، وأنا إلى فندقي وأنا أتمنى الصلح، ونمت الليالي المتعاقبة على فراش كالشوك، سفينة فوق هياج، والمرفأ ضاع، سفينة فضاء فقدت طريقها إلى الأرض، أو إلى القمر، سفينة فضاء بلا عودة، وفكرت في ابن عمي الذى انتزع مني مسدسي، وارتديت ثيابي لأذهب وأصرفه، إنه هو الذى حال بيني وبين أن أطلق رصاصة في صدري بيدي فأضع خاتمة لكل شيء.