رحلة الشقاء والشفاء.. حكايات المتعافين من فيروس سي
انتقلت سميحة في الشهور الأخيرة إلى المستشفى عدة مرات بعد نزيف شديد رغم اعتيادها عليه إلا أنه يتطلب رعاية طبية، وفي كل مرة يؤكد الطبيب على تلف كبدها كاملًا بعد معاناته مع فيروس سي لعشرات السنين دون متابعة أو اهتمام منها، مطالبًا بضرورة خضوعها لعملية زراعة كبد.
ثلاثة أشهر قضاها أبناء سميحة في البحث عن متبرع، ولكن وافتها المنية قبلها، سميحة لم تكن الوحيدة التي عانت من فيروس سي ، بينما يُصاب به ١٠٠ ألف شخص سنويًا حسب تقديرات وزارة الصحة والسكان.
وأوضحت دراسات أن نسبة الإصابة بفيروس التهاب الكبد الوبائي "سي" في مصر هي الأعلى في العالم، حيث أنها تعادل عشرة أضعاف مثيلاتها في أوروبا وأمريكا، ولكن خلال الخمس سنوات الماضية تغير الوضع فتحولت معاناة مصر مع انتشار الفيروس إلى قصة نجاح يحكيها ويُحاكيها العالم، فأشادت تيدروس أدهانوم، مدير منظمة الصحة العالمية بجهود مصر في القضاء على فيروس سي.
وتستعرض “الدستور” قصة نجاح مصر مع فيروس سي وحكايات المستفيدين منها.
ـ علاج مستورد
اكتشف وائل فرج إصابته بفيروس سي مصادفة عندما ذهب للتبرع بدمه لأحد أقاربه الذي يجري عملية جراحية، وبعد تبرعه بعد أيام تواصلت مع المستشفى لتبلغه بإصابته بفيروس سي، أجرى وائل التحاليل التي طلبها منه طبيب الكبد والتي أكدت إصابته فعليًا.
وبدأ وائل رحلة علاجه مع مركز الكبد بالدقهلية، والتي كانت مكلفة بما يفوق طاقته، فوقتها كان العلاج المتوافر في مصر مستورد فقط لم تكن مصر قد بدأت في تصنيعه محليًا، ولكن في قريته تبرع أحد رجالها لعلاج المصابون بالفيروس من أبناء القرية مجانًا.
وفي مدينة شربين التابعة لمحافظة الدقهلية والتي بها مركز علاج الكبد، حصل وائل على جرعة علاجية لمدة ٦ أشهر، حتى تخلص من الفيروس، وكان ذلك بعد شهور من تعاقد مصر مع الشركة المصنعة لعلاج فيروس سي وبدأ استيراده وتوافره في السوق المصرية.
ففي عام 2013 أعلنت شركة "جلعاد" المتخصصة في صناعة الدواء عن أمل جديد لعلاج الفيروس من خلال دواء جديد عُرف بـ"السوفالدي" (سوفوسبوفير)، كان يتكلف نحو 84 ألف دولار لكل مريض.
وفي عام 2015 توصلت مصر إلى اختراع أول عقار مصرى لعلاج مرضى الكبد من مصابى فيروس سى، وهو البديل لدواء سوفالدي الأمريكي، ولكنه بسعر أقل كثيرًا، ويتم توفيره بالمجان في العديد من المراكز الطبية والعلاج على نفقة الدولة والجمعيات الأهلية مما ساعد كثيرًا على توفير العلاج لغير القادرين.
ـ البلهارسيا وفيروس سي
تنتشر عدوى فيروس سي عندما يَدخُل الدم المُلوَّث بالفيروس إلى مجرى الدم لشخص غير مصاب، وهو ما حدث بالتحديد في مصر وساهم في انتشار الفيروس، فعندما كانت تقاوم مصر مرض البلهارسيا في خمسينيات القرن الماضي، استخدم أطباء المناطق الريفية حقن عقار الطرطير المقيئ من أجل علاج البلهارسيا، وكانوا يعيدون استخدام المحاقن الزجاجية لعشرات المرات، دون أن يعلموا أنهم ينشرون عدوى الالتهاب الفيروسي سي بين آلاف المرضى.
وأمام الأعداد الكبيرة من مرضى البلهارسيا التى تصطف أمام الوحدات الصحية في القرى والمدن تجاهلت الفرق الطبية تعقيم أدواتها الطبية، ولو باستخدام أبسط الطرق المتعارف عليها وهي الغلي.
وبلغت نسبة المصريين المصابين بفيروس سي خلال 2015 في (الفئة العمرية من 1–59 عامًا) 4.4%، كلما زاد السن ترتفع معدلات انتشار الفيروس فبلغت 22.3% في الفئات العمرية الأكبر سنًا، مقارنة بنسبة انتشار بلغت 27.4 % في الفئة العمرية من 55 إلى 59 عام في عام 2008.
ـ شفاء بلا عناء
اكتشفت حنان محمود إصابتها بفيروس سي عندما ذهبت للتحليل في قافلة طبية نظمها صندوق تحيا مصر في قريتها للكشف عن فيروس سي في نهاية ٢٠١٥، وبعد مرور إسبوع عاى سحب عينة الدماء منها، جاءها اتصال هاتفي يؤكد إصابتها بالفيروس.
حنان سجلت في الموقع الالكتروني لعلاج الفيروس على نفقة الدولة وبعد عدة أسابيع بدأت في العلاج بعد عمل كل التحاليل المطلوبة لتحديد كمية الفيروس في كبدها، واستمر علاجها ٦ أشهر لتجرى بعد انتهاء الجرعة تحاليل أخرى أثبتت شفائها من الفيروس.
دشنت مصر منذ عام 2015 عدة مبادرات صحية في كل محافظات الجمهورية لعلاج المصابين بالفيروس وتوفير العلاج المجاني لهم، كانت البداية مع صندوق تحيا مصر في ديسمبر 2015، وبلغت إجمالي مساهمة الصندوق في مكافحة فيروس سي 500 مليون جنيه، بالإضافة إلى توفيرالعلاج لـ363 ألف مريض مجانًا.
وتمكن صندوق تحيا مصر في السنة الأولى من مشاركته في علاج الفيروس من الانتهاء من علاج 119 ألف مريض من إجمالي مستهدف 180 ألف مريض في 25 محافظة بتكلفة تقدر بـ180 مليون جنيه، وبنهاية عام 2016 تم إطلاق مبادرة "إبدأ بنفسك" والتي تستهدف الكشف عن مرضى فيروس سي بالوزارات والمؤسسات وإعلان المؤسسات المشاركة بالحملة خالية من فيروس سي.
وفي 2017 شارك الصندوق في الخطة القومية للقضاء على فيروس سي بالتعاون مع وزارة الصحة والسكان واللجنة العليا للفيروسات.
ـ فحص 60 مليون مصري
اتجه أحمد يوسف إلى مقر حملة ١٠٠ مليون صحة في بلدته لتوقيع الكشف الطبي عليه، وبعد قيام الممرضة بقياس ضغطه ووزنه وطوله، أجرت له تحليل فيروس سي وعقب نصف ساعة فقط من التحليل ظهرت النتيجة باصابته بفيروس سي.
أحمد كان موظف على المعاش وتلقى علاج للفيروس في التأمين الصحي التابع له، فبعد اجراء تحاليل أكثر دقه، حصل على جرعة علاجية لمدة ثلاثة أشهر، لينهي قصته مع فيروس سي الذي أكتشفه وعالجة في شهور قليلة.
في عام ٢٠١٨ أطلقت مصر حملة 100 مليون صحة بهدف الوصول إلى مصر خالية من فيروس سي، وتقليل الوفيات الناجمة عن الأمراض غير السارية، وتم فحص 60 مليون مواطن ضمن المبادرة وتقديم العلاج للمصابين بالمجان، لتكون مصر أول دولة في العالم تنجح في القضاء على فيروس "سي"، وبحلول اليوم العالمى للالتهاب الكبدي في 28 يوليو، تحتفل مصر بخلوها من فيروس "سي".