مدحت منير: أزمة تلقى الشعر سببها ثقافة الأذن السائدة
شهدت الفترة الماضية، هجوما من قبل البعض على قصيدة نثر العامية، إذ لا يعتبرها البعض شعرًا، ومازال الكثير من مثقفي مصر، لا يؤمنون بها، ولا بأهم الشعراء الذين كتبوها أمثال الشاعر الراحل مجدي الجابري، والشاعر مسعود شومان، والشاعر محمد علي عزب، وغيرهم.
في هذا السياق قال الشاعر مدحت منير لـ"الدستور": "ليس من قبيل الصدفة أن يكون أحد أهم علامات بداية الكتابة بالعامية المصرية هوعبدالله النديم خطيب الثورة العرابية لأن الثورة العرابية كانت أول محاولة حراك اجتماعى فى الدولة المصرية الحديثة تعبر عن مصالح طبقة اجتماعية محددة. هذا من جهة ومن جهة أخرى لانستطيع إغفال تأسيس المدارس المهنية المختلفة على يد محمد على وحركة التنوير على يد الخديوى إسماعيل بعد ذلك بقليل ولذلك أعتقد أن بدايات الكتابة بالعامية المصرية خرجت من عباءة الخطاب الشفاهى محاكية لتطلعات وطنية واجتماعية ناهضة فى المجتمع على يد عبد الله النديم وربما أخرون كانوا معه أو حوله فى هذه المرحلة. ثم أنتقلت الكتابة بالعامية نقلات نوعية أخرى على يد بيرم التونسى وفؤاد حداد وصلاح جاهين وفؤاد قاعود وعبد الرحمن الأبنودى وغيرهم. ولكن ظلت العامية منذ نشأتها وحتى زمن قريب تغلب عليها قيم الشفاهية سواء على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون لأسباب أهمها أنها نشأت فى رحم الحركة الوطنية ثم ازدهرت مع حركة النضال الاجتماعى والسياسى بعد ذلك ساعد على ذلك بالطبع أنها لغة معاشة متواصلة مع الحياة اليومية متحفزة لإثارة الخيال الجمعى من خلال جدلها الدائم مع المأثور الشعبى وهذا يمكن تلمسه بوضوح فى أعمال روادها الكبار".
وأضاف: "أغلب الظن أن العامية لم تواجه مشاكل حادة فى قبولها أو تبنيها أو شيوعها -باستثناء تناولها بالدراسة الأكاديمية- طالما هى بعيدة الى حد ما عن إشكاليات الكتابة, فالفنون القائمة على القول كالسينما والمسرح والأغنية تستخدم اللغة العامية كبديهة ولا يوجد من يعترض أو يطالب بتناول هذه الفنون باللغة الفصحى - إلا فى أضيق الحدود وهى آراء ان وجدت فهى خارجة عن السياق التاريخى والحضارى - وليس خفيا أن رواد العامية كانوا أكثر حظا فى التواجد الإعلامى أو الحضور الجماهيرى أو كلاهما معا بالمقارنة بشعراء الفصحى وذلك ليس فقط بسبب استخدامهم لغة الحياة ولا محاولة تبنيهم هموم الجماهير وتطلعاتهم ولكن أيضا لأن مؤسسات الدولة كانت تزعم فى بعض الأحيان تبني قضايا الشعب الأجتماعية والثقافية فما كان منها إلا أن تبنت إنتاج الكثير من رموزها حتى وإن صادرتهم أحيانا على المستوى الشخصى. أضف الى ذلك أنه من خلال هذا التوجه الرسمى نشأ قدر من المناخ الثقافى والفنى الذى تماهى مع هذه الأبداعات شاءت الدولة أم أبت . ولكن فى النهاية لا نستطيع إغفال الدور الذى لعبه هؤلاء الرواد فى تجديد وتطوير الخطاب الشعرى لقصيدة العامية المصرية بالرغم من أنهم لم يشتبكوا مع إشكاليات الكتابة إلا فى حدود ضيقة".
وأشار الشاعر مدحت منير: "وتظل المشكلة تتفاقم كلما قدمت قصيدة العامية نفسها مشتبكة أكثرمع القيم الكتابية وذلك لأسباب عديدة منها ذلك الخلط الذى تحدثنا عنه بين الأدب العامى والأدب الشعبى ومنها ما أسسته العامية من خطاب (اجتماعى- سياسى) أقرب الى الشفاهية ربط العامية فى أذهان متلقيها بهذا الخطاب الذى أصبح من الصعب أن يتوقعوا شيئا مغاير منها. وفى الحقيقة أن هذه الأزمة ليست أزمة شعر العامية وحده - وأن كان يتحمل النصيب الأكبر منها- لكنها أزمة تلقى الشعر بصفة عامة فى واقع مازالت ثقافة الأذن هى السائدة فيه وفى رأيى أن هذه الأزمة لايمكن أن تناقش بمعزل عن أزمات الواقع المتعددة وعلى رأسها أزمة التعليم".
يذكر أن الشاعر مدحت منير من مواليد الاسماعيلية عام 1961م، رغم تخرجه ببكالريوس علوم فيزياء إلا أنه حاصل على دبلومة المعهد العالى للفنون الشعبية، صدر له عدة دواوين أولها "مكان مريح للحزن" 1997، ثم تلاه بـ "عنف ومحبة" 2004، و"كان لازم نرقصها سوا" 2008، أما أخر ما كتب فكان "بالقميص الكاروهات" 2016م.