رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائي العراقي عائد خصباك يروي ذكرياته مع أمل دنقل على مقاهي القاهرة

أمل دنقل
أمل دنقل

منذ أن كتبها وصارت قصيدة أمل دنقل "لا تصالح"٬ رمزا للمقاومة والرفض والتمرد. القصيدة التي كتبها أمل دنقل والذي تحل اليوم الذكرى الــ 38 لرحيله عن عالمنا٬ حيث توفى في مثل هذا اليوم من العام 1983 عن عمر ناهز 43 سنة. وضمنها في ديوانه المعنون بــ "أقوال جديدة عن حرب البسوس". ورغم أن أمل دنقل مر مرورا قصيرا على العالم إلا أنه ترك أثرا لا يمحى في الوجدان المصري والعربي والمصري خاصة المثقفين والكتاب العرب. 

ففي كتابه "مائة ليلة وليلة - العراقي في قاهرة نجيب محفوظ"٬ يروي مؤلفه الكاتب العراقي عائد خصباك عن ذكرياته مع الشاعر أمل دنقل ومبدعي الستينيات في مصر فيقول: "دفع فاروق عبد القادر الحساب كاملًا وحساب سندويتشي الفول اللذين طلبتهما لآخذهما معي، ما قبلت أن يدفع فاروق حسابهما لكنه قال: آآ، هوّ خسارة لكن مش خسارة فيكو. ولم يسألني لمن هما لكن محمد البساطي قال: كان نفسي أجي معاك لكن تأخر الوقت، الساعة تجاوزت تناشر، عندي شغل في الصباح.

ويمضي عائد خصباك في حكيه: "تركنا ومضى وبعده مضى فاروق وصرت وحدي وسط نداءات باعة صحف الغد: أهرام - أخبار - جمهورية. ونداءات الباعة ما توقفت عندما وصلت المقهى التي يجلس فيها أمل دنقل آخر الليل في ميدان التوفيقية، وكان هناك، لكنه ما رآني وكنت قاب قوسين أو أدنى من الطاولة التي وضع فوقها "الأهرام - الأخبار – الجمهورية" لأنه طوى الصفحة بين يديه على حقل "الكلمات المتقاطعة" قلت له مرة: أما لحل الكلمات المتقاطعة هذه من آخر! فقال :لست وحدي من يفعل ذلك آخر الليل: هنري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي كان يضع قلمًا وممحاة بجانب سريره وقبل أن ينام يحل الكلمات المتقاطعة، صوفيا لورين كانت تهواها ويسعدها أن تجد سؤالًا عن اسمها أو عن فيلم من تمثيلها.

وعندما ألقيت التحية قال وما رفع عينيه: أهلا، قل لي ما هو اسم مخترع آلة التصوير السينمائي، آخر حرف من اسمه نون؟، مش هو "أديسون" الذي اخترع التلغراف والمصباح الكهربائي؟ أيوه أديسون، صحيح. قلت: ضع الكلمات المتقاطعة بتوعك وشوف أنا جايب لك معايه ايه، سندويتش فول. وأضفت: أمال فين يحيى الطاهر؟ قال: لسه ما جاش، تلاقيه شافله واحد هنا أو هناك وقعد يقص عليه واحدة من "حكايات للأمير"، هيجي حيروح فين. أعطيته سندويتشا واحدا أدار رأسه ليصل صوته لعمق المقهى وكنا على الرصيف: هات اثنين شاي. فوصل الشاي. قلت: تعرف يا أمل، هناك مقهى في مدينة "تريستا" الإيطالية شمال بحر الأدرياتيك، هذه المقهى جلس فيها يوما جيمس جويس أيام كان يعمل مدرسًا للغة الإنجليزية هناك/ كان شقته فوق والمقهى تحت ينزل إليها متى شاء ويجلس في المكان نفسه الذي اعتاد الجلوس فيه، أمضى هناك سنتين على هذه الحال.

قال: وما دخلي بالكلام اللي بتقوله ده! قلت: لأ، أزاي؟ لك دخل ونص، أصل صاحب المقهى الإيطالي عمل من الموضوع "بزنس، تجارة" لمّا كتب جويس روايته "أوليس" واشتهر، رفع صاحب المقهى تلك لافته كتب عليها: هنا كان جيمس جويس يجلس، فيأتي أي محب للكاتب، يدخل المقهى ويجلس عند طاولة جيمس جويس ويشرب فنجان قهوة وعند الحساب يدفع حساب فنجانين الأول شربه هو والثاني شربه جيمس جويس.

قال أمل وقد أتى على سندويتش الفول إلا قليلا: وبعدين؟ قلت: أنا رأيي أنك تتفق مع صاحب المقهى دي، أنك تشرب الشاي عنده على راحتك كل يوم وتعزم هذا وذاك دون خوف أو وجل من دفع الحساب لأنه سيأتي اليوم الذي يعلق فيه لافتة: "هنا كان يجلس الشاعر أمل دنقل" فيجلس محبو شعرك إلى طاولتك، يشربوا شايًا واحدًا ويدفعوا حساب شايين. قال: ما دامت الفكرة فكرتك، رح قل له أنت وأحسب له كم سيربح من وراء اسمي في اليوم أو في الأسبوع، لأني قعدت هنا في مقهاه. قلت: وما دخلي أنا، الموضوع موضوعك! قال: أسمع أنا لا أريد من صاحب المقهى هذا إلا أن لا يضاعف عليّ الحساب عندما أدفع، أشرب اثنين شاي فيقول لي: لأ ثلاثة يا أستاذ أمل. أقول له: بل اثنين. يقول: والذي جلس معك شرب واحد "طبعًا ما جلس معي أحد"، يبقى كم؟ أقول: ثلاثة. و كل مرة يعيد يضاعف الحساب، وأنت بتقول لي جويس٬ بلا جويس، بلا صوفيا لورين.