هل تصنع ورش «الكتابة الأدبية» مبدعًا حقيقيًا؟.. نقاد ومتخصصون يجيبون
على الرغم من أن ورش الكتابة الأدبية لم تكن ظاهرة حديثة، إذ تعود إلى الكاتب والأكاديمي جون شولتز بالولايات المتحدة الأمريكية، في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، إلا أنها ما زالت تلقى اعتراضا شديدا من قبل البعض، معتبرين أنها ليست مفيدة بالقدر الكافي لإظهار مواهب حقيقية، ومن الضروري تواجد الموهبة التي تعد شرطا أساسيا للإبداع.
وعلى صعيد آخر؛ استطاعت ورش الكتابة الأدبية أن تثبت جدارتها، وتحقق نجاحا كبيرا بإخراج مواهب أصبحت كبيرة في الوسط الثقافي حاليا، كالكاتبة الروائية نورا ناجي، التي تتلمذت على يد الكاتب عادل عصمت، من خلال ورشة طنطا للكتابة الأدبية، وانطلقت من بعدها إلى عالم الكتابة الحقيقي، ولها دور ملموس في الوسط الأدبي بأعمالها الناجحة، وحصلت مؤخرا على المركز الثاني من جائزة يحيى حقي في مجال الرواية، عن روايتها "أطياف كاميليا" الصادرة عن دار الشروق للنشر والتوزيع 2019.
وبسؤالها عن رأيها في ورش الكتابة الأدبية، وخاصة أن لها تجرية معها في 2018 – 2019، والتي استفادت منها كثيرا مع عادل عصمت، وظهر ذلك بوضوح في أعمالها ما بعد الورشة، وهذا ما أكدته لـ"الدستور" قائلة إنها كانت تكتب بالفطرة قبل حصولها على هذه الورشة، ولم يكن لديها أساسيات، ولكن استطاعت الورشة أن تغير مفهومها عن الكتابة، مشيرة إلى أنها تعتبر الكتابة علما لا بد من دراستها وتعلم أساسياتها، وأنها مؤمنة بضرورة التعلم لذا لم تتوقف عن التعلم حتى الآن، سواء بالكورسات أو الورش التدريبية أو الدبلومات.
وعن مدى استفادتها من ورشة الكتابة الأدبية؛ كشفت ناجي أنها ساعدتها في كتابة القصة القصيرة، ومعرفة الأمور التي يجب تجنبها لإنتاج رواية جيدة يمكنها جذب القراء، وتعلمت أيضا طرق التحرير والتقطيع، مستطردة أن الورش الأدبية مفيدة للغاية، لكنها تتطلب موهبة، وهناك فروق بين ورش الكتابة وتعتمد على القائمين عليها، فهناك ورش غير مفيدة، التي يكون القائم عليها ليس لديه خبرة كافية، ويختار المشاركين دون شروط، مضيفة أنه من الضروري وضع شروط للانضمام لهذه الورش للتأكد من وجود موهبة، فالكتابة عبارة عن إبداع فطري يحتاج إلى تطوير وتعلم.
مقدمو الورش: ورش الكتابة لا تفيد معدومي الموهبة
وبحديثنا مع الروائي ياسر عبد اللطيف، الذي يعد من أوائل مقدمي ورش الكتابة الأدبية، قال إن دور الورشة الإبداعية كما تخيلته كان مساعدة الكاتب "الهاوي" بغض النظر عن عمره، على الانتقال إلى مرحلة تلعب فيها الكتابة دورا أكثر جدية في حياته، لمن أراد ذلك طبعا.
وتابع: لم أكن أهدف إلى "تعليم" الكتابة، فقد كنت أحرص على توافر حد من الموهبة في المشاركين، يتم اختباره بتقديم نماذج من إبداعاتهم السابقة قبل قبولهم في الورشة، وكانت تجرى عملية غربلة قوية لاختيارهم. هذا جانب، وهناك جانب آخر هو طريقة عمل الورشة نفسها.. كنت أوضح من البداية، وقد قلت ذلك مرارا في أكثر من موضع، إنني لا أستخدم الطريقة الأمريكية المتبعة في عدد من الورش المتناثرة هنا وهناك، والتي تعتمد على تمارين الكتابة، والتدريب على بناء الشخصيات، والحبكة وما إلى ذلك كنت أعتمد على إطلاق العنان لممارستهم الكتابية، مع تدخل من جانبي، ومن جانب المشاركين الآخرين في اقتراحات تخص النص الذي يعمل عليه كل منهم بالحذف أو الإضافة أو فتح مسار جديد في السرد.. كانت أشبه بحلقة نقاش بين مجموعة من الأصدقاء عن أن تكون فصلا تعليميا،وذلك كان أمرا ممتعا جدا بالنسبة لي في الفترة التي مارسته فيها، وأستطيع أن أقول أن هذه الورش عموما، لا التي أدرتها أنا فقط، قد أخرجت عددا من الكتاب الموهوبين في العالم العربي أمثال محمد ربيع ومحمد فاروق وإيمان عبد الرحيم وطلال فيصل مثلا في مصر، وهلال شومان في لبنان، ومعن أبو طالب في الأردن.
وأضاف: لا يمكن لأي ورشة كانت أن تصنع كاتبا من العدم، وما لم يتوفر استعداده المبدئي أو تلك الكلمة الغامضة التي نسميها موهبة، فلن يصير كاتبا أبدا، ما تفعله الورشة أنها قد تمنحه دفعةً للإمام، وقد تكسبه بعض الخبرات والمعارف النظرية عن طريق الاحتكاك بخبرة المدرب، والمشاركين الآخرين، أي أنّها قد تشحذ الموهبة الموجودة بالفعل، وثمة تخوف لدى بعض النقاد وقراء الأدب من تحول المتدرب في الورشة إلى نسخة من الكاتب الذي يديرها، وهو ما لم ألمسه من خبرتي سواء في الورشتين اللتين أدرتهما أو لدى كتاب مرّوا بورش أخرى، وإن حدث ذلك فهو طبيعي في البداية، فأي مبتدئ قد يكون متأثرا بكاتب قريب إلى ذائقته.
أما الشاعر حازم ويفي، أحد مقدمي ورش كتابة الشعر، قال إن ورش الكتابة لا يمكن أن تجعل من عديم الموهبة كاتبا حقيقيا، فالكتابة موهبة بالأساس، والدراسة وحدها لا تكفي لظهور مواهب حقيقة في الشعر، والدليل على ذلك كلية الآداب، فلا يخرج منها شعراء حقيقيين إلا إذا كانوا يمتلكون الموهبة في الأساس.
وأكد ويفي، أن المتقدمين للورش التدريبية يجب أن يخضعون لتقييم من خلال النماذح التي يقدمونها، للتأكد من وجود الموهبة، قبل انضمامهم للورشة، مضيفا أن ورش كتابة الشعر تتضمن عدة مراحل، بداية من تاريخ شعر العامية، والشخصيات التي أثرت في مجال الشعر العامي، وتمارين القافية والسجع والجناس، فضلا عن الأدوات التي يجب على المتقدم للورشة معرفتها.
نقاد: الموهبة بوابة لفتح قنوات الإبداع
قال الدكتور محمود الضبع، أستاذ النقد الأدبي بجامعة قناة السويس، إنه في البداية يجب التأكيد على أن الموهبة بمفردها لم تعد كافية لإنتاج فنون وآداب في عصر مجتمع المعرفة الذي نعيشه، فالموهبة تمثل البوابة لفتح قنوات الإبداع، لكنها ما لم يتم تعزيزها بأسس علمية فإنها ستتوقف عند حدود لن تتجاوزها، ولن تستطيع تحقيق العالمية التي غدت معيارا الآن.
وتابع: ولعل المثال الأوضح في تاريخنا هو تجربة سيدة الغناء العربي (أم كلثوم)، التي لا يختلف أحد على موهبتها، لكن هذه الموهبة ما كان لها أن تنمو لو لم يتم تعزيزها بالدراسة على يد علماء عصرها في مجالاتهم، وبخاصة أمين المهدي الذي تعلمت منه أصول الموسيقى، ومحمد القصبجي ومحمود رحمي اللذان علماها عزف العود.
وعن رأيه في الورش التدريبية؛ أكد الضبع أنها تعد في عصرنا الحاضر أحد مصادر التعلم التي أثبتت نجاحا في كل المجالات تقريبا، وزحزحت كثيرا من أشكال التعلم التقليدية مثل التعلم السمعي والبصري المعتمد على المحاضرة والحوار والمناقشة في الغالب الأعم، مشيرا إلى أن هذه الورش تحقق فاعلية أكثر في التعلم لأنها تعتمد جوهر فلسفة التربية عالميا الآن "أنا أسمع فأنا أنسى، أنا أرى وقد أتذكر، أنا أعمل فأنا أتعلم".
وأوضح أن الورش التدريبية في مجال الإبداع أثبتت نجاحا في السنوات السابقة، وساعدت كثيرا من الشباب والمبتدئين على تعلم أسس الكتابة والفنون والآداب، بل إننا لو نظرنا حولنا بدقة سنجد كثيرا من المتميزين في الفنون والآداب تخرجوا من الورش التدريبية والأمثلة كثير من جيل الشباب، وجيل الوسط كذلك.
وأضاف: تبقى أهمية التأكيد على البحث عن الورش التدريبية المتميزة، التي تستطيع إحداث التوازن بين الخلفيات المعرفية والمهارات الأساسية لمجال التدريب المستهدف،أي أن تكون الورشة مبنية بناء علميا سليما وواعيا، ويمكنه التدرج بمستوياته ليشمل أبعاد الحقل أو المجال أو الفن موضوع الورشة.
ومن جهته؛ قال الناقد الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة: ورش الكتابة يمكن أن تكون مفيدة، بهذا القدر أو ذاك، مع بعض الكتاب والكاتبات ممن يمتلكون حدا أدنى من الموهبة.. لأنها ببساطة تستطيع أن تساهم، ضمن وسائل وطرق وأدوات أخرى كثيرة، في "صقل" أو "تدريب" الموهبة.. ولكنها طبعا لا يمكن أن تستحدث موهبة غائبة من العدم.. أي أنها ببساطة لا يمكن أن تكون ذات جدوى لدى من يقبلون ويقبلن على الكتابة الإبداعية، وليس لديهم أو لديهن ملكة للكتابة الإبداعية.
وتابع: وطبعا يمكن التفكير، من ناحية أخرى، في أن ورش الكتابة قد تتفاوت فائدتها، المشروطة والمحددة، من مجال أدبي لآخر.. وقبل ذلك من مجال إبداعي لآخر.. فهناك فوائد كبيرة مثلا في ورش تعليم كتابة السيناريو، الذي هو جزء من إبداع جماعي له، والذي يلتزم باستخدام تقنيات معروفة، وأحيانا تكون مهارة استخدام التقنيات فيه بنفس أهمية "العالم" الذي تستخدم هذه التقنيات في التعبير عنه، وكذلك قد تكون الجدوى في ورش كتابة يتم تنئظيمها عن القصة أو الرواية، في حالة وجود الموهبة، أكبر من الجدوى في ورش الكتابة عن الشعر.. وهكذا.
واستطرد: في السنتين الأخيرتين، أصبحت هناك أعمال (قصصية وروائية خصوصا)، متفاوتة القيمة، تتضمن إشارات أو هوامش أو حتى عناوين فرعية تنوّه إلى أن أصحابها قد شاركوا في بعض ورش الكتابة.. ولكن في المقابل، طبعا، هناك أعمال لم تنشر بعد، وربما لن تنشر أبدا، لأنها لا ترقى إلى مستوى النشر.. تتصل بأسماء بعض من شاركوا في ورش كتابة.. وهذا يعني أن هذه الورش، للكاتب المبتدئ، ليست أبدا كل شيء.. وأن هناك متطلبات بعينها كي تكون هذه الورش ذات قيمة إيجابية أو حقيقية.
وأضاف: ما تحققه ورش الكتابة يمكن أن تحققه حلقات نقاش عادية، تقوم على المشاركة المتكافئة وليس على النزوع التعليمي من طرف واحد، بين كتاب وكاتبات لهم اهتمامات متقاربة، دون الارتباط بشكل أو بصيغة ورشة الكتابة.. كذلك، على المستوى الفردي، يستطيع كل كاتب أو كاتبة أن يقيم يقيم لنفسه أو لنفسها ورشة كتابة خاصة، تتضمن التأملات فيما يكتبه أو تكتبه، وتأمل كتابات الآخرين، والتساؤل المستمر حول مسيرة الكتابة، ومساءلة ما كتب من قبل، وطبعا أيضا القراءات وتلقي الفنون والإبداعات المتنوعة في مجالات عدة، والتدريب الذاتي على الكيفيات والطرائق المتنوعة لتجسيد العالم الخارجي بشكل مبدع.. ولعل هذه الصيغ، لورش كتابة ذاتية، هي التي ظلت حاضرة لعصور طويلة جدا قبل أن يفكر أحد في تنظيم ورش كتابة أو المشاركة فيها.