«أبطال مصر».. قصص 4 شهداء تحدث عنهم «الاختيار 2»
ملحمة وطنية جسدها مسلسل «الاختيار» بجزءيه الأول والثانى، حيث ذكّر الشعب المصرى بفترة عصيبة من عمر الوطن اغتالت فيها الجماعة الإرهابية عشرات الأبطال من رجال القوات المسلحة والشرطة والقضاء.
وعلى مدار أكثر من ٢٠ حلقة عرض مسلسل «الاختيار ٢» وقائع استشهاد العديد من ضباط الشرطة فى الفترة من ٢٠١٣ إلى ٢٠١٧، وتباينت مشاعر أسر الشهداء بشأنه بين من تألم بسبب تذكر فراق الأحباب، ومن شعر بالفخر والعزة لتجسيد تضحيات أبناء الوطن المخلصين.
والدة النقيب محمد جودة أول شهيد فى فض رابعة: حسيت إنه راح منى تانى لما مات فى المسلسل
النقيب محمد جودة هو أول شهداء فض اعتصام ميدان رابعة العدوية فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣، وتقول والدته الحاجة هدى، أو كما يلقبها الجميع «ماما هدى» إن المسلسل أحيا ذكرى ابنها، الذى كان منسيًا، ولا يعرف الناس قصته وبطولته، وإنه كان أول شهيد فى فض الاعتصام.
وأضافت لـ«الدستور»: مشهد استشهاد ابنى فى المسلسل كان مؤلمًا، ورغم تحذيرات الناس لى ونصحهم لى بألا أشاهد المسلسل، لكن لم أستطع المقاومة وشاهدته وانهرت أنا وزوجى وأبنائى تمامًا بعدما رأينا الممثل الذى يجسد شخصية الشهيد محمد لحظة استشهاده، كنت أصرخ وأقول ابنى ابنى كأنه لم يمض على استشهاده ٨ سنوات.
وطلبت والدة الشهيد لقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى وعرض صور الشهداء الحقيقيين فى نهاية المسلسل.
وقالت الدكتورة أمانى جودة، شقيقة الشهيد، إن مسلسل «الاختيار ٢» عمل وطنى عظيم وأقل ما يقدم للشهداء لتخليد ذكراهم، وأن صناع العمل جاهدوا قدر المستطاع لعرض جزء من الحقيقة؛ لأنهم لو أرادوا سرد الحقيقة كلها فلن تكفيهم مسلسلات كاملة. وأضافت أن العمل نجح فى تعريف المواطنين بتضحيات رجال الشرطة وحجمها الحقيقى، ورسخ فى الأذهان أن الأبطال والشهداء ليسوا فقط من ضحوا بأرواحهم فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، لأنه أصبح لدينا أبطال جدد فى الألفية الجديدة من ضباط الشرطة والجيش يفخر بهم الجميع، مطالبة بإنتاج المزيد من هذه الأعمال لتوعية الأجيال الجديدة.
وعن مشهد استشهاد شقيقها فى فض اعتصام رابعة قالت: «تجدد الألم والوجع والحزن، لكن مشاعرنا تجاه ما روى لنا عن تفاصيل استشهاده كانت مختلفة عن رؤية المشهد على الشاشة، كانت مشاعرنا مختلطة بين الوجع والفخر، لكن ألهمنا الصبر على رحيله، وتلقينا العزاء للمرة الثانية من المعارف والأقارب، إضافة لرسائل راقية من أشخاص لا نعرفهم ولا يعرفون الشهيد بالدعاء له بعد مرور ٨ سنوات على استشهاده».
وأضافت: «أخى كان ينادى بالسلمية لحظة وصوله ميدان رابعة العدوية، وطالب المعتصمين بالخروج، ووعدهم بالحماية، لكن قناصة الإرهابية غدروا به وأنهوا حياته، وقتلوا بعده عددًا من الشهداء، وأشكر صناع العمل؛ لأنهم أسهموا فى تعريف المواطنين بحقيقة اعتصام رابعة المسلح، الذى كان يدّعى منظموه السلمية».
وتابعت: «أود أن أشكر الممثل فتحى سالم مؤدى دور الشهيد؛ لأنه نجح فى تجسيد شخصية شقيقى بالفعل، وكان يقلد مزاحه مع زملائه قبل تنفيذ العمليات لتشجيعهم والتهوين عليهم، كما كان حريصًا على التواصل مع والده بعد كل مأمورية، وبالفعل نجح المشهد فى تعريف الناس بمحمد جودة».
يذكر أن الشهيد النقيب محمد جودة، تخرج فى كلية الشرطة عام ٢٠١٠، والتحق بالعمليات الخاصة، واستشهد بعد مرور ٣ سنوات فقط على تخرجه، ولقب بين زملائه بالعديد من الألقاب، بينها «أستاذ طبنجة»، بسبب براعته فى استخدام المسدس، و«أسد العمليات الخاصة»، وكان يخصص جزءًا من راتبه لأعمال الخير، كما عُرف بين المجندين بالضابط الإنسان؛ لحسن معاملته لهم، وكان بارًا بوالديه ويحرص على صلة الرحم.
أرملة العقيد أحمد فايز: توقعت مصيره بعد استشهاد محمد مبروك
قالت عزيزة محمد فراج، أرملة العقيد أحمد فايز، شهيد «مأمورية الواحات البحرية»، إنه استشهد يوم ٠٢ أكتوبر ٢٠١٧، ومنذ هذا التاريخ «عايش معانا، كل يوم فاكرين اللحظة دى طول الوقت، وعارفين تفاصيل الحادث، وماشيين بالوجع طول الوقت، ومهما اتعرض فى المسلسل مش هيوصل الصورة كاملة، أنا عشت كله على الطبيعة». وأضافت أرملة الشهيد، أن ابنتيها تعشقان مشاهدة المسلسل منذ بداية عرضه، خصوصًا أنهما عند استشهاد والدهما كانتا صغيرتين، الكبرى ١٣ عامًا، والصغرى ١٠ أعوام، «لما كبروا حكيتلهم بطولة الشهيد».
وروت أرملة الشهيد تفاصيل استشهاد البطل، حيث قالت إن زوجها لم يعتد أن يروى لها تفاصيل عمله، ولكنه كان يخبرها بأنه متوجه لتنفيذ مهمة فقط، ويوم حادث الواحات خرج مع الأمن الوطنى بمشاركة العمليات الخاصة، وقابلهم الإرهابيون بطلقات «آر بى جى»، وأوقفوا مدرعتين كان بداخل إحداهما الشهيدان إسلام مشهور وأحمد زيدان، وكان «فايز» خلفهما يقود سيارته، فأصيب برصاص الإرهابيين ونزل من السيارة ينزف بشدة، وظل يقاوم الإرهابيين ويتبادل معهم إطلاق النيران، وإخلاء المدرعة من أصدقائه وطلب الدعم ولفظ أنفاسه الأخيرة.
وتابعت أن الفنان أحمد سعيد عبدالغنى بذل مجهودًا كبيرًا فى محاولة الوصول إلى شكل الشهيد، فارتدى نفس ماركة نظارته ونفس الساعة والدبلة، بالإضافة إلى الرزانة والهدوء فى العمل، والتزام حركات يديه، كما حكى له أصدقاء الشهيد.
وأكدت أنها عقب استشهاد المقدم محمد مبروك كان لديها هاجس مستمر بحدوث اغتيال لزوجها، فاعتادت انتظاره فى الشرفات والاطمئنان عليه حتى مغادرته منطقة إقامتهما.
وعن آخر محادثة بينهما قالت: «يوم استشهاده تحدثت إليه للمرة الأخيرة الجمعة ٢٠ أكتوبر ٢٠١٧، وأخبرنى بأنه سيتجه لتنفيذ مأمورية وطلب منى الدعاء فانقبض قلبى».
والدة ضابط المفرقعات ضياء فتوح: «ودعته بالزغاريد من المستشفى حتى المقابر»
قالت الحاجة نجاة الجافى، والدة الشهيد الرائد ضياء فتوح، ضابط المفرقعات، الذى استشهد أثناء تفكيك عبوة ناسفة بجوار محطة بنزين وقسم الطالبية، إن الشهيد هو ابنها الوحيد مع شقيقتين، مشيرة إلى أنه كان يتمنى الشهادة ونالها.
وأوضحت «الجافى» أن الشهيد تخرج فى دفعة ٢٠٠٥، وشغل منصب معاون مباحث بمديرية أمن شمال سيناء، وأصيب وقتها بطلق نارى فى البطن أثناء ضبط عنصر إجرامى ودخل فى غيبوبة، مشيرة إلى أنه بعد شفائه انتقل للحماية المدنية بعدما أقنعه والده بذلك.
وأضافت: «بعد الالتحاق بالإدارة طلب ضمه لإدارة المفرقعات، ونجح فى مجاله، وفكك عددًا كبيرًا من العبوات الناسفة»، معبرة عن فخرها واعتزازها بنجلها؛ لأنه أنقذ حياة المئات بعد تفكيك القنبلة التى تمت زراعتها فى مكان حيوى بجوار محطة البنزين.
وتابعت: «كنت واثقة أن ضياء سوف يستشهد، وحلمت بذلك، وقبل الواقعة بيوم طلبت مقابلته وبمجرد دخوله نظرت له وقلت له أنت احلويت كده ليه يا ضياء؟».
واستكملت: «طلبت منه يبات معايا، لكنه رفض، وقال عندى شغل بكره، وربنا يستر، بس أنا يا أمى ودعت الحمام بتاعى اللى مربيه وحطيتله الأكل، ولما سألته يعنى إيه ودعته ابتسم وقالى ربنا يستر كأنه كان متأكدًا أنه سوف يستشهد».
وعن يوم استشهاده، أشارت إلى أنها شعرت بانقباض قلبها حتى جاءها اتصال هاتفى من ابن شقيقتها يخبرها بإصابة ضياء، مضيفة: «قلت له ضياء مش مصاب، ضياء شهيد طالما طلع فى التليفزيون يبقى شهيد».
وواصلت: «ربنا أعطانى قوة غريبة، ونزلت أجرى فى الشارع حتى وصلت إلى ابنى ورأيتهم يضعون علامة على بدلته، وقالوا لى الإسعاف أخدته، روحت وراه فى مستشفى الشرطة، ورفضت إن حد يدخل يشوف ابنى بالمنظر ده، وكنت أزعق فى وجه أى أحد يصرخ، ودخلت بعدما تم تغسيله، وقلت له ارتاح يا ضياء بقيت شهيد زى ما أتمنيت يا بنى وفضلت أزغرد من المستشفى حتى المدافن».
وأوضحت أن زملاءه أخبروها بأن ضياء كان يمشط جامعة القاهرة من المتفجرات، وعندما أخبره القيادات بالعثور على قنبلة فى الطالبية، وأنهم استدعوا زميله لتفكيكها، قال لهم: «ما حدش يتعامل، القنبلة دى بتاعتى أنا جاى».
وأضافت: «وهو فى الطريق أخبر زملاءه على جروب (واتس آب) بأنه سينال الشهادة وطلب منهم الدعاء له، وعند وصوله لمكان القنبلة توضأ فى دورة المياه الموجودة داخل محطة البنزين وردد الشهادة عند ارتداء البدلة».
واختتمت: «عندما شاهدت حلقة الاختيار بكيت بشدة، مش على ابنى، لا، أنا بكيت من الفرحة؛ لأن شعب مصر كله كان بيدعى لابنى وبيدعيلى، وده اللى أثلج صدرى؛ لأن دعوات الناس جعلت ابنى تاج فوق رأسى، علشان أنا مؤمنة بالله وعارفة كرامات الشهيد».
أم النقيب هشام شتا: طلب الشهادة فى الحرم المكى وحقه رجع بعد إعدام قاتليه
قالت الحاجة إكرام، والدة الشهيد النقيب هشام شتا، إن فقيدها كان أصغر أشقائه، وكان يعمل معاون مباحث قسم شرطة كرداسة، واستشهد فى ١٤ أغسطس ٢٠١٣ وقت اقتحام الجماعة الإرهابية قسم كرداسة، عن عمر ٢٥ عامًا.
وعن حياة الشهيد الشخصية، قالت إن هشام كان يرفض أن يتقدم لخطبة أى فتاة عندما تقترح عليه والدته الخطبة قائلًا: «مينفعش أخطب دلوقتى يا أمى، أنا مش ضامن حياتى من يوم ما مرسى مسك الحكم، دول بيكفرونا، وعايزين يقتلونا، وما ينفعش أظلم بنت ناس معايا».
وأضافت أن والد الشهيد اتصل به فى العاشرة صباحًا، فرد عليه وأخبره بأن الإخوان يخبئون الأسلحة داخل مسجد ومدرسة بجوار القسم، وأن القسم محاصر، وفى تمام الواحدة ظهرًا انقطع الاتصال تمامًا، إلى أن ورد إليهم اتصال هاتفى يبلغهم باستشهاده.
واستكملت الحاجة إكرام حديثها قائلة، إن والده ذهب للبحث عنه فى محيط القسم ولم يجده، واكتشف أن بعض المواطنين من أبناء المنطقة أخفوه داخل منزل بجوار القسم خوفًا عليه من سحله والتمثيل بجثمانه مثلما حدث لزملائه.
وأشارت إلى أن فقيدها كان يؤدى معها مناسك العمرة قبل استشهاده بـ٥٠ يومًا، وأنها سمعته يطلب الشهادة فى الحرم المكى، وفور عودته إلى مصر كتب على صفحته الشخصية عبر فيسبوك: «أنا دعيت لمصر وربنا يكتبلى الشهادة» وقام بتغيير صورته الشخصية لصورة له بملابس الإحرام.
وأكدت أن تكريم الرئيس السيسى لها أثلج صدرها عندما قال: «دم هشام وزملائه هو اللى وقف البلد دى على رجليها ما تخافيش حقهم راجع».
وعن فرحتها بإعدام المتهمين قالت: «أول يوم أنام مرتاحة لما عرفت أنهم أعدموا الـ١٧ متهمًا فى قضية اقتحام كرداسة، علشان حسيت إن حق ابنى وزمايله رجع». مشيرة إلى أنها كانت تحضر مع والد الشهيد جلسات محاكمة الإرهابيين المتهمين باقتحام قسم كرداسة.