ملتقى الفكر الإسلامى: الصوم مصدر من مصادر الهداية الإلهية لاستقامة السلوك الإنسانى
أكد المشاركون في ملتقى الفكر الإسلامي، أن الصوم مصدر من مصادر الهداية الإلهية لاستقامة السلوك الإنساني، وأن العبادات شُرعت لسعادة الإنسانية وتهذيب الأخلاق ولابد من أن يمتد أثر العبادة إلى خارج المسجد ، وأن شهر رمضان يغيّر سلوك الإنسان من عبدٍ شهواني إلى عبدٍ ربّاني.
جاء ذلك في الحلقة الأولى لملتقى الفكر الإسلامي الذي ينظمه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، في إطار التعاون والتنسيق بين وزارة الأوقاف المصرية والهيئة الوطنية للإعلام ؛ لنشر الفكر الإسلامي الصحيح ، ومواجهة الفكر المتطرف ، وتصحيح المفاهيم الخاطئة ، وجاءت بعنوان: " فضل الصيام وأحكامه "، حاضر فيها كل من : الدكتور عبد الله النجار الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية ، والدكتور على الله الجمال إمام وخطيب مسجد السيدة نفيسة (رضي الله عنها).
وفي كلمته أكد الدكتور عبدالله النجار، أن الله تبارك وتعالى شرع الفرائض والعبادات ليستطيع الناس الوصول إلى خالقهم ، فليس هناك طريق للتعبد لله تعالى غير ما شرعه الله تعالى لخلقه ، ومما فرض الله تعالى على عباده الصوم ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم) : (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ)، فالصوم ضمن فرائض أخرى ، كل فريضة تتضمن لونا من ألوان الهداية ، فليست العبادة مجرد طقوس وشعائر تقام ، ولكن لابد لهذه العبادات من أثر في سلوك الإنسان ، فهناك مقاصد سلوكية للعبادات، فالصلاة يقول الله تعالى فيها : (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ) ويقول تعالى في الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) ويقول في فريضة الحج: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ).
وأضاف النجار، وكذلك الصوم له غايات ومقاصد سلوكية يقول تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، فتقوى الله تعالى تعني مراقبة الله (عز وجل) ، والصوم يعلم الإنسان هذا المعنى ، فيصنع لديه نوعًا من الرقابة الذاتية ، فامتناع الإنسان عن شهواته وعن الملذات التي تميل إليها النفس تقربا إلى الله تعالى ينعكس يقينا أخلاقا فاضلة في سلوكه وتعامله ، والصوم دائما مصدر من مصادر الهداية واستقامة السلوك لدى الإنسان ، وفيه أيضا معنى الانتصار على دواعي النفس وشهواتها بأن لا يستعبد من قبل هذه الشهوات فيكون أسيرًا لها ، فالعبادات تؤدي إلى السمو في الأخلاق ، وتوازن بين حاجيات الإنسان وطاعته لربه.
وأوضح أن من الملامح التي تتعلق بالصيام ملمح (التيسير والتخفيف) ، الذي هو أصل من أصول التشريع الإسلامي، حيث يقول سبحانه وتعالى : (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ، فالناظر لفريضة الصيام يدرك أنها قد اقترنت بجملة من التيسير والرخص ، وهذا نجده في قوله تعالى: (أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) والمعنى : أن من كان منكم مريضا لا يستطيع الصيام أو كان صحيحا غير مريض وكان على سفر فعدة من أيام أخر ، أي: فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه أو في سفره من أيام أخر ، يعني من أيام أخر غير أيام مرضه أو سفر ، فشرعت الرخصة هنا في السفر والمرض لأنها عوارض المشقة ، ثم وسّع الله (عز وجل) بأن يقضي أياما أخر بعد أن يمنّ الله عليه بنعمة الشفاء إن كان مريضا، أو بنعمة المقر إن كان مسافرًا.