صناعة الدم.. أسرار صفقات السلاح الإسرائيلى فى العالم
سمحت الرقابة العسكرية الإسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي بنشر نبأ قيام جهاز الأمن العام الداخلي الشاباك والشرطة الإسرائيلية باعتقال نحو 20 إسرائيلياً، بينهم عاملون سابقون في الصناعات الأمنية الإسرائيلية، بشبهة تطوير وإنتاج صواريخ بصورة غير قانونية لدولة آسيوية لم يتم ذكرها.
قال بيان صادر عن جهاز "الشاباك" إنه يشتبه بارتكاب المعتقلين مخالفات ضد أمن الدولة، وضد قانون مراقبة تصديرات المنتجات الأمنية، ومخالفات تبييض أموال ومخالفات اقتصادية إضافية. ونشرت الشرطة صورة لصاروخ موجَّه ضُبط بحيازتهم.
أشار البيان إلى أن العلاقة بين المشتبه بهم والمسئولين في هذه الدولة كانت سرية، وأن المتورطين حاولوا عدم كشف الدولة التي يتم إرسال السلاح إليها. وقال إن التحقيق كشف معلومات كثيرة عن طريقة عمل هؤلاء المسئولين الأجانب مع الإسرائيليين، بما في ذلك استخدام تقنيات إخفاء وسرية في تنفيذ صفقات وتحويل العائدات إليهم.
صناعة أمنية ضخمة
تمتلك إسرائيل أكبر صناعة أمنية فيما يتعلق باقتصاد أي بلد في العالم، وتصدر الأسلحة إلى 130 دولة مختلفة ضمنها دول لا يوجد لإسرائيل أي علاقات مُعلنة معها، وبحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية فإن 75٪ من الصناعات الأمنية الإسرائيلية هي للتصدير، بيد أن الصادرات العسكرية الإسرائيلية، ليست فقط أسلحة وذخائر وطائرات قتالية، بل تتضمن تدريبات حرب العصابات، وتدريب الشرطة وتكتيكات وأدوات مكافحة الشغب والإعدام وتكنولوجيات المراقبة والاستخبارات وهو ما تسميه إسرائيل "التصدير الأمني".
تبيع إسرائيل أسلحتها لدول عديدة، ففي إفريقيا باعت إسرائيل السلاح لكل من كينيا وجنوب إفريقيا وزائير وإثيوبيا وإريتريا وغانا وأوغندا وسيراليون والمغرب، ووفقا للتقارير الإسرائيلية فإن 6 من قيادات الموساد يعملون في إفريقيا، منهم شبتاى شافيت رئيس الموساد الأسبق، ودانى ياتوم رئيس الموساد السابق، الذي يعمل بمجال التسليح، ورافى إيتان ضابط الموساد السابق ووزير الزراعة الأسبق، وحجاى هداس، مسئول العمليات الخارجية في الموساد جميعهم أداروا صفقات الأسلحة هناك.
وفي آسيا باعت أسلحتها لكل من الصين والهند وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وتايوان وسيريلانكا وكوريا الجنوبية وتايلاند والفلبين وتركيا، ومن المتوقع أن تكون الدولة التي عقد معها المصدرون الصفقات واحدة من تلك الدول.
وفي أوروبا، باعت أسلحة لكل من سويسرا وألمانيا الغربية وهولندا وفرنسا وبلجيكا واليونان وإيطاليا والسويد، كما شملت مبيعاتها في الأمريكتين؛ الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين والبرازيل والمكسيك والسلفادور وهندوراس ونيكاراغوا وكولومبيا وجواتيمالا وفنزويلا.
تتكتم إسرائيل عن الكشف عن مصدري السلاح الإسرائيليين بحجة أن ذلك قد يضعهم في دائرة استهداف الأمر الذي قد يُعرّض سواء أمنهم الشخصي أو أمن الدولة للخطر. ولكن تقارير الصحف العبرية أكدت أن أهم مصدر السلاح في إسرائيل هم ضباط كبار في الجيش ومسئولون سابقون في وزارة الأمن أو سياسيون سابقون.
وبحسب صحيفة هآرتس فإن رئيس الحكومة وزير الدفاع السابق إيهود باراك حقق أرباحا بلغت 6.3 مليون يورو من العمل مع الدول الإفريقية، في الفترة ما بين 2001 وحتى 2007.
تجارة خارج مظلة القانون
في نهاية لعام 2014 وقعت إسرائيل على الميثاق الدولي للرقابة على تجارة السلاح، إلا أنها لم تصادق عليه، وهو ما يعني أنها ليست عضوا في الميثاق، وبررت ذلك قائلة إن أبعاد التوقيع لا تتعلق بشكل كبير بالتصدير الأمني، ولكنه يمكن أن يمس بالاستيراد.
كانت تجارة تصنيع الأسلحة تتم عبر الشركات الحكومية وأهمها شركة صناعات العسكرية الإسرائيلية IMI التي تقوم بإنتاج منظومات الأسلحة للجيش الإسرائيلي كما تقوم بتطوير وتصنيع أنظمة الأسلحة الدقيقة والأسلحة، ولكن بعد أزمة حدثت في الثمانينيات تم خصخصة الشركات وبدأت تتعامل بشكل فردي ولكن بتصاريح من الحكومة الإسرائيلية، حيث تعمل تلك الشركان تحت إطار قانون الرقابة على التصدير الأمني، ولدى وزارة الدفاع الإسرائيلية قسم معنى بالرقابة على التصدير الأمني الذي يفرض غرامات تفرض على التجار في حال الإخلال بالقانون.
ووفقا لمعطيات وزارة الدفاع فإن نحو 166 مخالفة تمت في عام 2014، و176 مخالفة عام 2015، وتم الاستجواب فقط في 4 حالات في عام 2014 و11 حالة عام 2015.
أما الأرقام التي وردت من وزارة الدفاع فكانت أن هناك 1400 مُصدر للسلاح، وكل عام تزداد نسبة التراخيص التي تمنح لمصدري السلاح بحوال 17%.
قانون الرقابة الإسرائيلي على التصدير الأمني يطلب من التجار الحصول على رخصة التسويق لوصف السلعة والدول التي سيتم بيعها ثم يطلب من الشركات والأفراد إذنا من وزارة الدفاع الذي يقوم بالتوقيع عملية البيع بعد تنسيق مع وزارة الخارجية، ولو حدث خلاف بين الجهتين حول التصدير لا يتم منح الإذن للتاجر.
بحسب الكاتب "يوسي ميلمان" فإن تل أبيب تبرم الصفقات بواسطة شركات خاصة تبلغ نحو 220 شركة في محاولة لإعفاء ذاتها من مسئولية استخدام هذا السلاح في جرائم ضدّ البشرية في حال وقوعها.
مكاسب ومخاطر
لا يمكن فصل صفقات الأسلحة الإسرائيلية إلى دول كثيرة في العالم عن العلاقات السياسية والدبلوماسية؛ فمثلا بيع الأسلحة إلى رواندا ونيجيريا كان مقابل امتناعهما عن التصويت على تصويت مجلس الأمن الدولي على الاعتراف بفلسطين، وهو ما أكده محلل الشئون الإستراتيجيّة والمقرب من الأجهزة الأمنية في تل أبيب يوسي ميلمان حيث علق في مقال بجريدة معاريف بأنّ إسرائيل تهدف من وراء بيع الأسلحة تحقيق الأرباح والعلاقات الدبلوماسيّة مع دول العالم الثالث.
أما فيما يخص المخاطر وهو سر الأزمة الحالية، هو الخوف من تسرب أسرار الأسلحة الإسرائيلية والتكنولوجيا الحديثة لدول معادية لإسرائيل، فضلاَ عن إثارة المجتمع الدولي تجاه إسرائيل في ظل فتح ملفات تحقيقات في المحكمة الجنائية الدولية.