مراقبون: تصريحات أردوغان الأخيرة بشأن الاتحاد الأوروبي «قنبلة»
اعتبر مراقبون أن تصريحات الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، الأخيرة بأن بلاده جزء من أوروبا وأن أى مشكلة مع دول أو مؤسسات ما لا يمكن حلها إلا بالحوار والمفاوضات، قنبلة سياسية.
ورأى المراقبون أن تصريح أردوغان، من حيث وقته ومكانه، قد يعني تحولا سياسيا محتملا لنهج أردوغان خلال المستقبل المنظور، بحيث تعود تركيا إلى موقعها التقليدي كحليف ضمن منظومة حلف شمال الأطلسي الناتو عسكريا، ومؤسسات الاتحاد الأوروبي اقتصاديا وسياسيا.
وهذا قد يقود تركيا إلى التخلي عن شبكة حلفائه الإقليميين والدوليين، من التنظيمات المتطرفة أولا، مرورا بقطر وإيران، وانتهاء بروسيا والصين.
وتحاول تركيا منذ عام 1987 الانضمام رسميا إلى التكتل الأوروبي، وخاضت مفاوضات ماراثونية لنيل العضوية لكنها كانت تفشل دوما، لأن الأحزاب والقادة السياسيين الأتراك كانوا يرفضون قبول معايير كوبنهاغن السبعة عشرة، التي تتعلق بحزمة من الإصلاحات الواجب اتباعها، حتى تكون دولة مخولة لعضوية الاتحاد.
وأوحى أردوغان، خلال فترته الأولى من الرئاسة ومن خلفه حزب العدالة والتنمية، بأن مشروع أنقرة الاستراتيجي يتوخى نيل عضوية الاتحاد الأوروبي، وتم في سبيل ذلك إجراء جملة من التغييرات الاقتصادية والسياسية.
فيما لاحظ المراقبون أن تلك التغييرات والوعود كان الهدف الخفي منها هو تصفية المؤسسة العسكرية والخصوم السياسيين فحسب، فيما عمل أردوغان على تكريس حكم الرجل الواحد، وانتهج سياسات تتناقض تماما مع قيم ومعايير المنظومة الأوروبية، بالذات في مجال الحريات السياسية وحقوق الإنسان.
من جانبه، رد ممثل الاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، بطريقة غير مباشرة على أردوغان، مذكرًا أن عضوية الاتحاد ليست مجرد دعوات أو أمنيات، قائلا: "تركيا يجب أن تفهم أن سلوكها هو الذي يوسع انفصالها عن الاتحاد، وأن إعادة العلاقات إلى مسارها سيتطلب تغييرا جذريا في مواقف أنقرة".
وأوضح المراقبون أن هناك ثلاثة ملفات ضاغطة قد تدفع أنقرة لتغيير مسارها الاستراتيجي الحالي ليكون أقرب للمنظومة الأوروبية، إذ إنها تواجه ظرفا اقتصاديا حرجا تنحدر فيه قيمة الليرة التركية بشكل يومي، وتنفر رءوس الأموال الاستثمارية من البلاد من جراء الظروف السياسية، وفقا لفضائية «سكاى نيوز عربية».
وتترقب تركيا ضغوطا سياسية واقتصادية من الإدارة الأمريكية المنتخبة، وفوق ذلك فإن الطريقة التي حسمت بها روسيا الحرب لأذربيجان في ناغورني قره باغ عبر إخراج أنقرة تماما من الملف، أثبتت أن المنظومة الأوروبية وحدها قد تستطيع انتشال أنقرة من أوضاعها الحالية.
فيما ترى المنظومة الأوروبية أن ملفات معقدة تفصلها عن تركيا راهنا، لا سيما سياسة الابتزاز التي تدير بها أنقرة ملف ملايين المهاجرين على أراضيها، حيث تهدد بهم أوروبا بين مناسبة وأخرى، وتحولهم إلى أداة للحصول على المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي.
ولعل ما زاد حجم الهوة الواسعة بين الطرفين، هو دعم الجماعات المتطرفة داخل الدول الأوروبية، والسياسة التركية الداخلية التي يتبعها أردوغان، لا سيما تكريس الشمولية والقمع الواسع لحقوق الإنسان.
وذكر موقع «ون نيوز» الإخباري، في تقرير، إن رسالة أردوغان إلى بروكسل، بالدعوة إلى الحوار والمفاوضات، تأتي في الوقت الذي قد يقرر فيه زعماء الاتحاد الأوروبي في قمة ديسمبر المقبلة مزيدا من العقوبات على تركيا، ردا على السلوكيات الأخيرة في شرق البحر المتوسط.
ويرى الأوروبيون أن خطاب أردوغان لم يترافق مع أي تغيير على أرض الواقع، فالسفن الاستكشافية التركية لا تزال تخترق المياه القارية اليونانية التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي، وفوق ذلك، زار أردوغان جزيرة قبرص ودعا إلى حل الدولتين، في تعارض واضح مع التوجهات الأوروبية، وفقا للموقع نفسه.
من جانبها، نشرت صحيفة «جورناليزم بوست» مقالا تحليليا مطولا للكاتب سلام الخطيبي، شرح فيه المرامي العميقة لأردوغان من وراء مثل تلك الدعوة للتحاور.
وقال الخطيبى: "لطالما كان يقصف المصالح الاستراتيجية الأوروبية، منذ فقد كل ثقة في محاولة تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ووصل استفزازه إلى درجة دعوته لمقاطعة المنتجات الفرنسية في تركيا والعالم الإسلامي".
وتابع: "كان يفعل ذلك بروح الدعاية الشعبوية المنفصلة عن دوره الذي يستحقه كقائد سياسي يسعى لإدخال بلاده إلى المنظومة الأوروبية، ويأمل أردوغان راهنا فقط في الحصول على دعم شعبي لتعويض تراجع شعبيته في الداخل وصرف الانتباه عن الليرة التركية المتراجعة".
فيما رأى الكاتب والباحث شارلي وايميرس، في مقال نشره موقع «نيو يوروب»، أنه لم يعد بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يتسامح مع ابتزاز تركيا وخطابها المهين للقيم والدول والشخصيات الأوروبية.
وتابع: "لذلك، يجب على الاتحاد الأوروبي ألا يلقي بالًا لدعوات أردوغان اللفظية، بل عوضا عن ذلك أن يدعم الدعوات الفرنسية واليونانية لتعليق الاتحاد الجمركي بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، وإظهار أن أي عمل تجاري تشاركي، أو بالأحرى، وجود أي عمل آخر أيا كان، لن يحدث بين الطرفين حتى تغير تركيا لهجتها وسلوكها العدواني".