مكتبة الغلابة
الكتاب دا بـ كام لو سمحت؟ بـ٧٠ جنيه، ودا؟ بـ٨٠، ودا اللى جنبه؟ بـ١٣٠، والكتاب الصغير دا؟ بـ٥٠ جنيه.
حيلو، دى الأسعار «العادية» لـ الكتب المتداولة فى مصر، ماذا لو ظهرت مكتبة بنت حلال، بـ تبيع أى كتاب بـ١٠ جنيه فقط لا غير، مش دى تبقى مكتبة عظيمة؟ تتيح الثقافة لـ الجميع، وتتغلب على جشع باعة الكتب وناشريها؟
لو تهمك إجابتى، فـ أنا شايف إنه لأ، المكتبة أو الفرشة حتى، اللى تبيع الكتاب بـ١٠ جنيه حد أقصى، لا هى حاجة عظيمة، ولا تتيح ثقافة ولا تقدم أى خدمة حقيقية، اللى بـ يحدد سعر الكتاب بـ٧٠ ولا ١٠٠ جنيه، مش جشع الناشرين ولا باعة الكتب، ولا هو العرض والطلب فى المطلق، لـ إنه العرض والطلب دا، مبدأ عام جدًا، إنما له محددات كتير، هذا المبدأ لا يسير فى الفراغ.
فى حالة الكتاب، فيه تكاليف لا بد منها لـ صناعة المنتج، ورق وأحبار ومطابع، وميه وكهربا وعمال وخلافه، تخلى الكتاب دا، اتصرف عليه عشان يوصل لـ البياع، مش أقل من ٦٥ جنيه، فـ لما البياع يبيعه بـ٧٥ - ٨٠ جنيه، يبقى هو واخد منه هامش صغير، الهامش دا لسه هـ يتصرف منه على حاجات، فـ لا صاحب المكتبة مليونير، ولا الناشر مليونير، ولا المؤلف مليونير، بـ استثناء قلة قليلة لا تذكر نسبتها، ليهم ظرفية خاصة.
إنما العادى والطبيعى، إن العاملين فى صناعة الكتاب، هم مواطنين زيهم زى أى مواطنين، وفيه منهم اللى مديون، وفيه منهم اللى بـ يفلس أو بـ يدخل السجن، مهنة عادية يعنى.
تعال بقى لـ المكتبة، اللى بـ تبيع الكتاب بـ١٠ جنيه، دول بـ يبقوا على نوعين: الأول حرامى، التانى مش بـ يتيح «كتب».
النوع الأول، قدر بـ طريقة أو بـ أخرى، الاستيلاء على كتب، دون أن يدفع مقابلها، دول كانوا منتشرين زمان بـ كثافة، اللى كنا بـ نسميهم «الكتب الشمال»، اللى هو كل ما يظهر كتاب، يروح هو ضارب منه نسخة، ما كلفتوش غير أردأ أنواع الورق، لا مؤلف خد فلوس، ولا مطبعة عدلة، ولا مصحح ولا منسق ولا غلاف، ولا صرف عليه إلا ملاليم بسيطة، فـ يبيعه بـ ثمن بخس.
لكن حتى هذا النوع اختفى، لـ إنه تزوير كتاب، بقى أمر مكلف هو التانى، بعد الارتفاع الكبير فى أسعار الورق، حتى الردىء منه، وكمان تكاليف الطباعة، حتى لو بير سلم.
النوع التانى، اللى بـ يبيع الكتاب بـ١٠ جنيه، بـ يبقى عنده سقط المكتبات المستعملة، أصل حضرتك، لما فيه حد بـ يبيع مكتبته، مزنوق فى فلوس، أو مات والورثة عايزين يتخلصوا منها، أو لـ أى سبب، المكتبات دى مش بـ تتباع بـ الكتاب، بـ تبقى شاكب راكب كدا، لما المشترى بـ ياخدها، بـ يفرزها حسب أهميتها وندرتها، فـ عادى جدًا، ممكن يعرض كتاب مستعمل بـ٢٠٠ جنيه، ٢٥٠ جنيه.
ثم تيجى كتب تانية أقل أهمية، ثم فى النهاية تتبقى كتب، مالهاش أى تلاتين لازمة. رواية صدرت سنة ١٩٨٨، اللى كتبها أساسًا مش روائى، كتاب تذكارى، عملته هيئة قصور الثقافة، بـ مناسبة بلوغ وكيل الوزارة سن المعاش، ديوان شعر لـ طالب جامعة، صاحبه هجر الأدب، وبقى سمسار عقارى، دراسة عن كيفية تنقية القطن من الدودة، فى محافظة المنوفية، إبان الخمسينات، كدا يعنى.
كتب لا تمثل أى شىء، ولا قيمة لها على الإطلاق، واللى هـ يشترى الكتاب أبوعشرة جنيه، هـ يبقى خسر العشرة جنيه.
طيب ما يمكن، مش معاه غير العشرة جنيه دى، وعايز يتثقف؟
مش عارف، بس متهيألى والله أعلى وأعلم، هو لو اشترى ساندوتشين طعمية، وقرا الورقة الملفوفين فيها، ممكن يتثقف أكتر.
يعنى مفيش طريقة، إنه مكتبة أو ناشر، يعرض كتابه بـ١٠ جنيه، والكتاب دا يبقى مفيد؟
لأ، مفيش، إلا إذا كان الناشر بـ يصرف من جيبه، الدولة مثلًا، بـ تطبع كتب وتبيعها بـ الرخيص، أو بـ بلاش حتى، ودا بـ يكون فى أطر معينة واضحة، ولو فيه ناشر قرر يعمل كدا، مهما كانت مقدرته، هـ يفلس فى ظرف سنتين بـ الكتير، وبرضه مش هـ يستمر.
أيوه، بس الطب غير الكتب، الطب مش «تجارة»، يعنى الدكتور مش بـ يقدم لك «سلعة»، كلفته حاجة، دا بـ يقدم «خدمة»، هو اللى يحدد مقابلها.
ما هو دا اللى مخلينى أكتب، الطب زيه زى أى حاجة فى الدنيا، سلعة، والسلعة دى ليها تكاليف، يخلى ليها سعر ما، لو حد قدم لك السلعة دى، بـ أقل من تكاليفها، يبقى مستحيل يكون بـ يقدمهالك فعلًا، ما هو مش معقول خالص، تاكل رغيف الحواوشى بـ اتنين جنيه، وكمان تدعى لـ اللى بـ يقدمهولك.
رأيى، فى الحالة اللى زى دى، كل، كل وإنت ساكت.