مجانية التعليم
فى بلدنا بنى محمد، الناس كانوا بـ يحلفوا بـ حاجات كتير: والله، والنبى، والنعمة، والختمة الشريفة إلخ إلخ، إنما أغلظ الأيمانات على الإطلاق، لما نحلف بـ البخارى، لما تقول «والبخارى....»، يبقى الكلام اللى جى، يحمل أعلى درجة من الرغبة فى تصديقه.
فـ أنا حابب أقول: والبخارى والبخارى والبخارى، ما فيه حاجة اسمها «المصريين»، مفيش حاجة فى الدنيا مفيدة لـ«المصريين»، أو مضرة لـ«المصريين»، مفيش لحظة حصلت، أو بـ تحصل، أو هـ تحصل، كان «المصريين» فيها كذا وكذا، مش بس المصريين طبعًا، إنما خلينا فى اللى يخصنا.
إحنا، طبقات وشرايح وفئات، وصنوف وجهات، وأديان وأفكار، ووظائف وأعمال وأدوار متفاوتة، متفاوتة ومتباينة ومتعارضة كمان، وكل يوم، بـ نبقى أكتر وأعقد من اليوم اللى قبله، مناقشة أى حاجة فى الدنيا، أى حاجة، ما ينفعش تبقى بـ الجملة، ولا من زاوية واحدة، ولا بـ مقاييس واحدة، لا تختلف بـ مرور الزمان أو اختلاف المكان، ولا منفصلة عن «السياق»، بـ الأحرى السياقات المختلفة.
بص، خلينا ناخد مثال، «التعليم»، هل فيه حاجة، اسمها «تعليم المصريين»؟ الإجابة: لأ، لـ إنه زى ما هو مفيش حاجة اسمها «المصريين»، كمان مفيش حاجة اسمها «التعليم»، بـ معنى، إنه ملف التعليم دا، يحمل أسئلة مختلفة، أولًا، التعليم كـ فرصة، مقعد فى مدرسة أو فى جامعة، ثانيًا، هـ يتعلم إيه؟ دا موضوع مختلف تمامًا، ومختلف كمان عن «مناهج التعليم» اللى هى ثالثًا، وعن «فلسفة التعليم» رابعًا، وخامسًا: هـ يعمل إيه بـ اللى هـ يتعلمه؟ وهكذا وهكذا.
فـ لما تيجى تتكلم عن «التعليم فى مصر»، بـ أفضل نحدد الأول: أنهى حقبة زمنية؟ أى ملف من ملفات التعليم؟ أى فئة من فئات المواطنين؟ علشان نعرف إحنا بـ نتكلم عن إيه؟
مثلًا، لو اتكلمنا عن فرص التعليم، وجه حد قال لى: «عبدالناصر عمل مجانية التعليم»، دا كدب، دى جملة فارغة تمامًا من المضمون، لـ إنه أوكى، التعليم الإلزامى كان متاح لـ الجميع، ومش هـ أقول لك، إنه كان متاح قبل يوليو، مع إنه فعلًا كان متاح، وإن كان بـ صورة أقل كميًا.
لكن، ماذا بعد التعليم الإلزامى؟ هل كان فيه أماكن فى الجامعة، لـ «كل» المصريين؟ يعنى أنا عايز أبقى ظابط حربية، هل دا كان ممكن؟ ظابط بوليس، ممكن؟ فنية عسكرية، ممكن؟ سيبك من الحاجات العسكرية، هل دراسة الطب متاحة لـ الجميع؟ أكيد لأ، إنت هـ توفر مقاعد محدودة، فى الطب والهندسة والسينما وأى كلية مؤهلة لـ مكانة اجتماعية مرموقة، هـ تكون بـ طبيعة الحال فرصها قليلة، وهو ما يؤدى توماتيكى إلى تشكيل شريحة اجتماعية متمايزة.
دى طبيعة الحياة أصلها، مفيش حاجة اسمها إتاحة الفرصة لـ«الجميع»، وأنا لا ألوم نظام يوليو، فى إنه ما وفرش فرص إنه كل الناس تدرس طب وهندسة، ولا يعنينى أساسًا التقييم الأخلاقى لـ الأنظمة السياسية، أنا بس بـ أقيس، دا يودينا فين، فـ مفيش حاجة اسمها «مجانية التعليم» على إطلاقها كدا.
طيب، إيه آلية اختيار أصحاب هذه الفرص؟ مجموع الثانوية العامة؟ اللى هى أكتر حاجة بائسة ومتخلفة فى الوجود، ممكن طبعًا حضرتك تتكلم عن «العدالة»، وما دام المعيار موحدًا، والفرصة متاحة لـ الجميع، يبقى إحنا كدا فى السليم، إنما سؤال «العدالة»، هو أحد الأسئلة، وهو سؤال أخلاقى، لكنه غير علمى وغير سياسى وغير حضارى، كما أنه شديد النسبية، شأنه شأن أى أمر أخلاقى.
إنت كدا ربطت مستقبل المواطن بـ رقم، هذا الرقم قد لا يعبر تمامًا عن شىء، يعنى أنا مثلًا ممكن أبقى ضعيف فى اللغة العربية، فـ أجيب أربعين من ستين، العشرين درجة دول، ينهوا تمامًا فرصتى فى دراسة الطب، رغم أننى ممكن أكون عبقرى فى العلوم، فـ تبقى الفرصة متاحة أكتر، لـ اللى عندهم ذاكرة قوية، فـ يقدروا «يحفظوا» كل حاجة وأى حاجة، وعندهم قدرات بدنية كمان، تؤهلهم لـ البقاء ساعات وساعات، بـ يحفظوا حاجات ما أنزل الله بها من سلطان.
يبقى إنت عندك أماكن محدودة، لـ كليات عسكرية مؤممة، وأماكن محدودة لـ بشر يتسموا بـ إنهم مواطنين مثاليين، فى كليات هندسة وطب، وأماكن محدودة مؤممة فى أماكن دراسة السينما وما أشبه «دخولها كلها بـ الواسطة»، أما الملايين من جموع الشعب، فـ هـ يروحوا كليات لا قيمة لها، ولا تضيف لك أى شىء، آداب وتجارة وحقوق وخلافه، ناهيك عن اللى ما قدروش يدخلوا ثانوية عامة أساسًا، فـ دخلوا دبلومات قلتها أحسن.
كل دا، إحنا بس بـ نتكلم فى «فرص» التعليم، ما جبناش سيرة هـ نتعلم إيه، ولا مناهج التعليم ماشية إزاى، ولا حاجات كتير يطول الحديث فيها، زى مثلًا، هـ يعملوا إيه بـ اللى اتعلموه؟ خريج الحقوق مثلًا، هـ يعمل إيه بـ دراسته لـ القانون؟ هـ يبقى قاضى؟ انسى، مهما كان متفوق، هـ يبقى مسئول قانونى فى مؤسسة مهمة؟ انسى، جموع خريجى الحقوق، هـ ياخدوا كارنيهات محامين، وهما بقى وعلاقاتهم ووسايطهم، وأوزان أسرهم الاجتماعية، إنما ما درسته فى كلية الحقوق، بلح، ما درسته فى آداب، بلح، ما درسته فى تجارة؟ بلح، ولا يفيدك بـ شلن.
معظمها مواد متخلفة، عفا عليها الزمن، وأكل عليها الدهر وشرب، ومفيش أى آليات من أى نوع لـ تطويرها، أو ربطها بـ اللى حاصل فى العالم، أو مواكبتها لـ مناهج التعليم الحديثة، كله يا بيه تسديد خانات.
تعبت أنا من كتر الكتابة، إنما أنا بس كنت عايز أقول، مفيش حاجة اسمها «المصريين» كدا، وممكن عادى جدا، تبقى «عادل» مثلا بس «متخلف»، أو نيتك تكون عادل، بس تعمل منتهى الظلم، أو إنه التقييم النهائى الأخلاقى مش ضرورى خالص، أو كما قال: كل حاجة وليها حاجة.