رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العزيمة


شاب صغير، تقدر تقول عيل كمان، ما كملش عشرين سنة، ما تعجبوش انطلاقة السينما المصرية فى التلاتينات.
صناعة الأفلام بدأت بـ مفهوم، عبّر عنه أحمد بدرخان، لما قال ساعتها إن المستويات الوضيعة «هو قال وضيعة ويقصد الشعبية» غير صالحة لـ الظهور على الشاشة، الناس مش بـ تروح السينما تتفرج على نفسها وحالها، لـ ذلك، لازم الأفلام تعرض السرايات، والمساحات الخضرا الواسعة، وتعتمد على الميلودرامات الفاقعة، والقصص الرومانسية البسيطة.
الشاب اللى بـ أكلمك عنه اسمه كمال سليم، كمال مواليد ١٩١٣، ما كملش الدراسة النظامية فى المدرسة الثانوى، لكنه درس واتعلم حاجات كتير، فى وقت قصير، منها دراسة السينما فى فرنسا، غير المزيكا والرسم والاقتصاد، ولما انطلقت السينما، ما كانش عاجبه الخط اللى واخداه، فـ عمل سيناريو اسمه «فى الحارة».
بدأه فى فترة مبكرة، لكن خد وقت طويل عقبال ما جهزه، واختار بديع خيرى، علشان يكتب له حوار الفيلم، ولما جه يعرضه على «ستوديو مصر»، رفضوه فى الأول، ثم بعد فترة وافقوا، بس يغيّر اسمه، الفيلم زى ما هو واضح من اسمه، أحداثه بـ تدور فى الحارة، البطل والبطلة وغريم البطل، شخصيات عايشة فى حارة سماها «درب معتوق»، لكنهم ما رضيوش بـ الاسم، فـ سماه كمال سليم «العزيمة».
خدوا وقت عقبال ما بدأوا ينفذوا الفيلم، اللى هـ يخرجه كمال نفسه، وعمره أقل من ٢٦ سنة، ويشتغل معاه مخرج مساعد، صلاح أبوسيف.
ناس كتير من «ستوديو مصر»، يقرروا إنهم ما يشتغلوش فى الفيلم الغريب دا، المحكوم عليه بـ الفشل قبل ما يتعمل، فى حين ناس تانيين يقرروا يشتغلوا عميانى، بطلة الفيلم يختاروا له فاطمة رشدى، اللى كانت نجمة مصر أياميها، وتاخد أعلى أجر لـ ممثلة، ١٦٠ جنيه حتة واحدة.
مين يلعب دور البطولة قدامها؟ رشحوا فى الأول محمود المليجى، بس المليجى كان مشغول فى عروض مسرحية بره مصر، فـ يرشحوا شاب تانى هو حسين صدقى، اللى هـ ياخد نص أجر سارة برنار الشرق «لقب فاطمة رشدى» ويفضل دورين رئيسين كمان، غريم البطل وصديقه.
غريم البطل يدوه لـ عبدالعزيز خليل، أول نقيب لـ الممثلين ومؤسس النقابة، وكان له باع فى السينما وقتها، غير دوره فى التمثيل لـ المسرح، أما صديق البطل فـ يدوه لـ شاب جديد، اسمه أنور وجدى.
بقية الأدوار تروح لـ مارى منيب وحسن كامل وعبدالسلام النابلسى، وغيرهم وغيرهم.
موسيقى الفيلم عملها ملازم أول عبدالحميد عبدالرحمن، دا أول واحد يقدم صولو كمان فى الإذاعة، وكان فى موسيقى الجيش، وفضل لـ حد ما وصل عقيد، وكان بـ يلعب مزيكا مصاحبة لـ الأفلام السينمائية الصامتة، وبعض عروض الأوبرا.
مدير التصوير كان فيرى، أو فرانسوا فاركاش، مجرى الجنسية كان عايش فى إسكندرية، أما الحارة نفسها فـ كانت ديكور صممه ولى الدين سامح.
فى نص تصوير الفيلم، يصدر قرار بـ وقف تصويره، فـ يتولى بديع خيرى التواصل مع طلعت باشا حرب، الباشا يقول: إنه عرف حاجات بطالة عن الفيلم، إنه بـ يظهر فيه حلاق وجزار، والحاجات دى تسىء لـ سمعة مصر، وأفلام «ستوديو مصر» الراقية، لكن بعد نقاشات بديع خيرى معاه، يستأنفوا تصوير الفيلم.
فيلم «العزيمة» نجح نجاحًا فوق الخيال وقت عرضه، وغيّر كتير فى مفاهيم صناعة السينما، نظرًا لـ مكانته التاريخية، حطّوه على راس قايمة «أفضل ١٠٠ فيلم مصرى»، فى استفتاء ١٩٩٦، القايمة اللى هـ أكتب مقال أو أكتر عن كل واحد منها، بس ربنا يدينا العمر والمزاج.
بعد الفيلم، كمال سليم عمل أفلام تانية، بس مفيش واحد منها كان زى «العزيمة»، لـ حد ما اتوفى بعدها بـ كام سنة، وهو عنده ٣٢ سنة فقط لا غير، ربنا يرحمه ويرحم الجميع.