كواليس مناظرة الموت التي اغتيل بسببها فرج فودة
يبدو أن شهيد الكلمة المفكر فرج فودة مازال يقلق مضاجع الإرهابيين والمتطرفين وهو في قبره، فمنذ أسبوع كانت الهيئة المصرية العامة للكتاب قد أعلنت عن بث المناظرة التاريخية، التي شهدها معرض القاهرة الدولي للكتاب 1992 وأدارها رئيس الهيئة وقتها الدكتور سمير سرحان تحت عنوان: "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية"، وكان من المقرر بث المناظرة مساء أمس الخميس عبر قناة الهيئة باليوتيوب لكنها عادت واعتذرت بسبب اختراق القناة.
كان "فودة" في مواجهة كل من: الشيخ محمد الغزالي، والدكتور محمد عمارة، ومأمون الهضيبي مرشد الإخوان المسلمين.
ومما قاله الشهيد فودة يومها: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهادًا وفقهًا، الإسلام الدين في أعلى عليين، أما الدولة فهي كيان سياسي وكيان اقتصادي واجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم".
وعقب المناظرة بيومين، خرجت جريدة "النور" وعلى صدر صفحاتها، فتوى للشيخ الأزهري "عبد الغفار عزيز" بتكفير فرج فودة وردته، والتي اغتيل بعدها بأقل من أسبوع، قد تتساءل وما ذنب الغزالي الفائز بجائزة الدولة التقديرية فى العام السابق لواقعة الاغتيال بدم فودة، الإجابة من شهادة الغزالي نفسه التي أدلي بها في المحكمة، بعدما طلب أحد قتلة فودة بشهادته، والتي قال فيها: "إنهم قتلوا شخصًا مباح الدم، وتجاوزهم الوحيد هو الافتئات على الحاكم، لأنها وظيفة حاكم وليست وظيفة فرد"، والكلام واضح لا لبس فيه ولا يقبل التأويل، فالغزالي يرى أن فودة مرتد كافر واجب قتله٬ لكن هذا من واجبات الدولة أو الحاكم٬ وأن قاتل فودة لم يخرج عن الشرع!
ويشير المهندس إسحق حنا، أمين عام الجمعية المصرية للتنوير، إلى أن الشهادة التي أدلى بها الغزالي في المحكمة، لم تكن الوحيدة التي أودت بحياة فرج فودة، فمن قبلها كانت "جبهة علماء الأزهر" كثيرا ما وصف أعضائها الدكتور فرج بالكفر والردة وأنه عدو الإسلام وأشياء كثيرة جدا، وربما لولا أن فودة كان يملك من الحجة وأدب الحوار ومن اللغة العربية الرصينة التي يستطيع بها أن يدافع عن نفسه، ربما كانوا قد "أكلوه" من قبل ذلك بكثير.
تابع: على سبيل المثال كان هناك مقال للدكتور فرج يرد فيه على شيخ الأزهر "جاد الحق" بعنوان: "لشيخ الأزهر أن يحمد الله، على خلفية سب جاد الحق لفرج فودة، والذي رد على جاد الحق بأدب جم وبشكل فيه من القيم الإنسانية والإسلامية الجميلة، لدرجة أنه لو أي شخص مكان جاد الحق في هذا الوقت لكان شديد الخجل".
من هنا كانت هناك عداوة شديدة بين هذا التيار كله وبين فرج فودة، وهو ما يطرح السؤال عن الأسباب الحقيقية التي جعلت هذا التيار يقتله بالرغم من أنه لا يملك سوى قلمه، وهل إلى هذا الحد كان قلمه شديدا عليهم.
أما"محمد عمارة" فقد كان على رأس قائمة من وقعوا بيانا مساندًا لـ"محمود المزروعة"، نائب رئيس جبهة علماء الأزهر، الذي دعا بشكل صريح إلى قتل فرج فودة، مطلع تسعينيات القرن المنصرم.
وأضاف إسحق حنا: الحقيقة أن هذا التيار أدرك أن فرج فودة لديه الحجة، التي تستطيع أن تقنع الكثيرين. كما أن فودة كان يملك كم من العناصر الرائعة التي يمكن لأي إنسان أن يتحلى بها، على سبيل المثال الشجاعة، كثيرين هم الكتاب والمفكرين لكن القليل منهم هو الشجاع، دكتور فودة لم يخف يوما على نفسه إطلاقا حتى أنه كان يتلقى رسائل التهديد بالقتل ويعرضها علينا فننزعج عليه، لكنه حقيقة لم يكن يبالي أو ينزعج من شيء، بالإضافة إلى أنه كان يعمل عقله تماما وكانت أدواته العقل والمنطق أمام شخص مثل هذا كانت الأمور أمامهم شديدة الصعوبة، أولا هو دارس للتاريخ الإسلامي جيدًا، لذا فقد كان حديثه من هذا المنظور، خاصة فيما يخص الخلط الدائم ما بين الإسلام كدين، والمسلمين كبشر، لذا فقد كان يحاول أن يفصل بين تاريخ المسلمين المشوه، المليء بالسلبيات والدماء حتى لا تلتصق هذه الدماء بالدين، وكان له دائما جملة مأثورة "الإسلام في أعلى العليين، أما تاريخ المسلمين فالتاريخ ذو شجون".