ثومة وعادل إمام
أم كلثوم التلاتينات، ولا أم كلثوم الستينات؟
قبل ما نجاوب لازم نفكر: إحنا بـ نقارن من حيث إيه؟ أو بـ الأساس بـ نقارن إيه بـ إيه؟ والأهم بـ نقارن ليه؟
إجابة السؤال الأخير دي هي الموضوع، لـ إنه فيه حاجات تبدو من بعيد كـ إنها حاجة واحدة، إنما بـ شوية تروي تكتشف إنه لأ، ما هياش كدا.
خلينا نمشي مع نموذج أم كلثوم، ونسأل نفسنا عن اللي قدمته المطربة الفذة خلال التلاتينات وأوائل الأربعينات مقابل اللي قدمته خلال الستينات وأول كام سنة من السبعينات، إيه الفرق بين الفترتين دول؟
خلينا نقول إنه فيه كبير كبير بين الإمكانية والمنتج (بـ فتح التاء)، وإنه حجم المنتج مش مرتبط أوي بـ الإمكانية اللي يمتلكها المنتج (بـ كسر التاء) المنتج هنا يعني الصانع مش المنتج اللي هو الفلوس طبعا.
أم كلثوم التلاتينات من حيث الإمكانية أقوى من كل الوجوه، إمكانيات صوت، حدود المنافسة، طبيعة الوسيط اللي بـ تظهر من خلاله، سواء الحفلات أو الإذاعة، اللي بدأت تبث برامجها 1934، ملحنين جبابرة، كتاب كلمات، ... إلخ كل العناصر كانت أقوى وأجهز.
إنما هل اللي قدمته ثومة في التلاتينات يقارن بـ الستينات وأوائل السبعينات، سواء من حيث النجاح أو التأثير أو البقاء عبر الزمن؟
الواضح إنه لأ، ولو جبت لك عشوائيا كدا عشر أغنيات غنتهم الست في التلاتينات، قصاد عشر أغنيات من الستينات، هـ تلاقي أغنيات التلاتينات مش معروفة، ولو شغلتها ممكن محدش ينتبه لها، بينما كل أغنية في الستينات اسم وموضوع وحكاية: أنساك، إنت عمري، الأطلال، هذه ليلتي، أمل حياتي، يا مسهرني، أقول لك إيه عن الشوق، أغدا ألقاك، اسأل روحك .... إلخ إلخ
طيب إزاي يبقى الأغنيات الأكثر شهرة وانتشارا وصمودا تبقى هي إنتاج المرحلة اللي كل الإمكانيات فيها أقل؟ أكيد الإجابة دي خطأ، وإنه إمكانياتها في الستينات كانت أكبر.
الواقع إنه لأ، مش خطأ ولا حاجة، فعلا إمكانيات أم كلثوم في التلاتينات كانت أكبر، وفيه حاجات قابلة لـ القياس، زي قوة الصوت ومساحته ومخارج الألفاظ، دي حاجات مش وجهات نظر، دي أمور بـ تتقاس في المعمل عادي، إنما يا صديقي الإنتاج موضوع تاني، له عوامل كتير كتير أضعاف إمكانياتك إنت الذاتية.
حتى مفهوم الإمكانيات نفسه مختلف، يعني إمكانيات الصوت لـ وحده كدا، دي إمكانية واحدة من الإمكانيات الكتير، اللي منها الرؤية والفلسفة والإدارة (خصوصا الإدارة) والقدرة على توظيف العناصر المختلفة، والإحاطة بـ الزمن ومتطلباته، والقدرة على الاتصال بـ الجمهور، والحضور (الحضور مالوش علاقة أوي بـ الإمكانيات المباشرة) وحاجات كتير عصية على الحصر.
ثم ييجي بقى موافقة المنتج دا لـ سياق ينفع يتقدم من خلاله، سياق نفسي واجتماعي واقتصادي وسياسي، بـ اختصار، موضوع المنتج دا في صورته النهائية أوسع وأشمل وأعقد من موضوع الإمكانية، وممكن بـ إمكانيات مش كبيرة تقدم منتج عملاق، وممكن يكون عندك إمكانيات بـ لا حدود، وتقدم منتج أقل.
هو دا اللي بـ يفسر، إزاي حد زي عادل إمام، لا يمتلك أي إمكانيات مقارنة بـ أحمد زكي ونور الشريف ومحمود عبد العزيز ومحمود حميدة، لكنه يقدم منتج يفوقهم مع بعض مجتمعين من حيث التأثير والقوة والصمود عبر الزمن، ويبقى النجم رقم 1 على مدار نص قرن تقريبا، وعن جدارة واستحقاق، وكل سنة وهو طيب.