الانتحال
عارف حضرتك فيه أشعار كدا تلاقيها انتشرت فجأة، على إنها بتاعة صلاح جاهين، وهي مش بتاعته إطلاقا
ومالهاش علاقة بيه، عارف إنت الأشعار دي؟ أهو دا اسمه "انتحال" الشعر، اللي هو عكس السرقة.
السرقة إنك تاخد أشعار مش بتاعتك، تدعي نسبتها إليك، وتحط عليها اسمك. الانتحال هو إنك تألف إنت أشعار وتدعي نسبتها لـ حد تاني، فـ تقول إنه دي بتاعة صلاح جاهين، أو أحمد فؤاد نجم أو أي حد تاني.
هل الانتحال دا حاجة جديدة؟ لأ، من زمان خالص والناس بـ تعمل كدا، وطبعا طبعا، أول ما تقول "الانتحال" في الشعر العربي القديم، الدماغ بـ تروح عدل على طه حسين، اللي كتب مؤلف كامل عن الموضوع دا، هو كتاب "في الشعر الجاهلي". الكتاب دا صدر 1926، وعمل ضجة كبيرة وقتها، وطه حسين راح النيابة، والنيابة حفظت التحقيق، والكتاب اتسحب، وأعاد طه حسين تأليفه، وصدر تاني بـ اسم "في الأدب الجاهلي".
القصة دي والضجة بـ يدوا إيحاء لـ ناس كتير، إنه اللي قال قصة الانتحال دي هو طه حسين، لـ ذلك ناس كتير بـ تسألني: إيه رأيك في نظرية طه حسين بـ خصوص انتحال الشعر الجاهلي؟ بينما دا مش صحيح، يعني دا مش اكتشاف منه في 1926 (دا يمنعش أهمية الكتاب القصوى)
فيه بقى ناس تانية يقول لك: يا عم، طه حسين جاب الموضوع دا من المستشرقين، مرجليوث وغيره، دا رأيهم بـ خصوص الموضوع، وهو ترجمه عنهم، إنما ما أعرفه إنه العرب القدامى نفسهم اتكلموا في موضوع الانتحال، وأشهر حد له إسهام في دا، هو ابن سلام الجمحي، فـ دا موضوع قديم.
طبعا، مش هـ نمشي ورا واحد واحد، ونشوف كتب إيه ونناقشه، هـ أقول فهمي لـ الموضوع:
دلوقتي، قبل الإسلام، هل الشعر دا كان مكتوب؟ لأ طبعا، مفيش حاجة كانت مكتوبة، كله بـ ينتقل بـ صورة شفاهية، طيب مين هـ ينقله؟ الرواة، الرواة جمع راوية، دي كانت ما يشبه الوظيفة، يعني مش أي حد كدا يروي، ولا بـ نعتمد على الشاعر نفسه، لأ، فيه ناس مهمتها حفظ الشعر ونشره، يعني تقدر تعتبر كدا إنه الشاعر هو المؤلف، والراوية هو دار النشر.
الراوة دول اكتسبوا أهمية كبيرة بعد الإسلام، أساسا الشعر كان حاجة مهمة جدا جدا، لما كان مجرد إنتاج ثقافي وفني، ما بالك بقى لما بقى "أصل اللغة" و"مخزن اللغة"، طيب، الرواة دول انتحلوا الأشعار؟ حصل. محدش في حدود علمي بـ يشكك إنه حصل، لـ أسباب سياسية ومذهبية ولغوية وقبلية، بل كمان لـ أسباب شخصية.
بعني فيه واحد حفظ له عشرين قصيدة، بدأ يقولهم، اشتهر كـ راوية، يعني بقى دار نشر بسم الله ما شاء الله، بس ما عندوش غير العشرين قصيدة دول، يعمل إيه؟ بـ الظبط، ينتحل.
الخلاف هنا في حجم الشعر المنتحل لـ الشعر "الأصيل"، طه حسين خرج بـ نتيجة إنه "الأكثرية المطلقة" من "الشعر الجاهلي" مش جاهلي، إنما اتكتب في العصر الأموي والعصر العباسي، بينما الآخرين شايفين إنه دا افترا، والشعر الجاهلي جاهلي، والمنتحل دا نسبة لا تذكر منه.
إيه اللي "أنا" شايفه؟ أنا مش شايف حاجة، فعلا مش شايف حاجة، أعرف منين، أو إنت تعرف منين، أو طه حسين يعرف منين، أو اللي بـ يدافعوا يعرفوا منين؟ كلها تكهنات مبنية على تركيب حاجات جنب بعض، وكلها منطقية.
مرة كنا بـ نتكلم عن ملابسات وفاة جمال عبد الناصر، فـ إنسان مثقف كبير وله حيثية، قال جملة عظيمة جدا: شوف، هو بـ نسبة 90% مات مقتول، وبـ نسبة 90% مات موتة طبيعية (الاتنين بـ نسبة 90%) لـ إنك لما تاخد كل احتمال لـ وحده، تلاقيه "منطقي"، إنما المنطق لـ وحده، ما يوصلكش لـ اللي حصل.
إنما الانتحال، سواء الأكثرية المطلقة، أو نسبة قليلة هـ يأثر، فـ إنت متخيل الصورة الكلية، هـ تطلع إزاي؟
وأهي ماشية