لغة فوق اللغة
فاكر الكلام اللي قلناه عن "صلاح جاهين" و"فؤاد حداد"، وغيرهم من الشعرا اللي كتبوا بـ اللغة المصرية؟ قلنا إنهم ما يصلحوش لـ دراسة "اللغة المصرية"، مش لـ إنهم غلط لا سمح الله، إنما، لـ إنه طبيعة الشعر في معظم، محرج أقول كل، الأزمنة والأمكنة، إنه يكون لغة فوق اللغة.
مؤسس عليها آه، لكن عشان يبقى شعر، لازم يبقى له مفردات وتراكيب خاصة: "لم عمره مات"، "دخلت سيما شفت (اللي آتي)"، "يا سندباد يا سندباد خدني لـ بلاد غير (دي البلاد)"، وغيره وغيره.
التركيبات دي بقى تيجي من لغة مجاورة، من لغة قديمة، من لغة أجنبية، من ابتكار الشاعر الصافي، المهم إنه الشعر كدا.
دا مش معناه برضه إنه كل حرف بـ يكتبه الشاعر، لازم يبقى على غير القياس، بس الشعر مليان حاجات مش من "اللغة".
العرب لما بدؤوا يأسسوا النحو العربي، ويدرسوا قواعد اللغة العربية، وحددوا مادتها في قبايل معينة، هـ يجيبوا بقى مادة الكلام اللي بـ يشكل لغتهم منيييين؟
طبعا القرآن كان مصدر أساسي، لكن، في النهاية القرآن "نص" واحد، مش لازم يبقى ممثل فيه "كل القواعد"، يعني مثلا، ما نسميه "الأسماء الستة"، اللي بعضنا درسها في المدرسة "الأسماء الخمسة"، هل الأسماء الستة دي كلها مذكورة في القرآن؟ وهل جاءت بـ جميع أشكالها الإعرابية، رفعا ونصبا وجرا؟
لأ، فـ مش كل القواعد موجودة، ولو موجودة مش موجودة بـ كل "الاحتمالات"، فـ إحنا محتاجين حاجة تاني، هي إيه؟ قال لك الشعر.
هنا بقى، ما راعوش إنه الشعر (وحتى القرآن بـ المناسبة) هو لغة فوق اللغة، وله خصوصيته، وبـ يعمل حاجات مش "طبيعية"، مش طبيعية بـ معنى إيه؟ إنها مش متداولة بين الناس، كان نفسي أقدم لك مثال، وليكن مثلا من معلقة امرؤ القيس:
"فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع
فألهيتها عن ذي تمائم محول"
بس إحنا كدا، عايزين شرح لـ البيت، ثم شرح لـ اللغة في صورتها القياسية (وقتها)، ثم شرح لـ الاختلاف اللي عمله الشاعر، وكل دا مكتوب بـ لغة ما نعرفهاش، كان هـ يبقى أسهل، لو بـ نتكلم عن حاجة في اللغة الإنجليزية، فـ خلينا نتصور الأمر، بـ بيت لأحمد شوقي
"سلام من صبا بردى أرق
ودمع لا يكفكف يا دمشق"
التركيب الأساسي لـ الجملة: "سلام أرق من صبا بردى"، بس "اللغة العربية"، فيها متسع لـ التقديم والتأخير، فممكن تقول: "من صبا بردى سلام أرق"، لكن فيه حاجات، مش منطقي إنك تفصل ما بينها، يعني إحنا بـ نقدم ونأخر كتل، مش كلمات، إنما أحمد شوقي عمل إيه، فصل بين الصفة والموصوف: الموصوف في أول الشطر، الصفة في آخر الشطر، وبقت سلام ....... أرق
دا يمشي في الشعر، كـ استخدام خاص، والشعر العربي مليان، لكن في الكلام "العادي"، حتى وقتها، مفيش "منطق" يقول كدا.
دا مش كلامي بـ المناسبة، دا كلام النحاة العرب نفسهم، اللي عملوا باب كامل، اسمه الفصل بين النعت والمنعوت، وحطوا له شروط، وحطوا لـ الشروط شروط، ما تقول يا عم إنه دا شعر وخلاص، أدرسه ليه أساسا في إطار دراستي لـ "اللغة"، ما تدرسه في إطار الفنون والآداب.
إنما هي لو رسيت على كدا، كانت هانت، مشكلة الاعتماد على الشعر، كان ليها بعد تاني أخطر، خلينا نشوفه في مقال جي.