نصر واللي بعد نصر
بعد نقط المصحف، جه الدور على "الإعجام"، مش بس إعجام المصحف، إعجام حروف اللغة كلها، اللي بدأه نصر بن عاصم، إيه الإعجام؟ نحط نقطة على العين، فـ تبقى غين، نحط نقطة ع الراء تبقى زاي، وهكذا
في مرحلة لاحقة، الإعجام تلاه "التشكيل"، والتشكيل فيه ناس بـ تتكلم عنه، بـ اعتباره وضع حركة آخر حرف بس، علشان مدرسين العربي، كانوا بـ يقولوا لنا: اقرا بـ التشكيل، هو عايز يقولك أظهر الإعراب، بس إنت صغير، فـ غيرها لـ: اقرا بـ التشكيل "الكامل".
بس هو مصري، فـ اختصرها وخلاها: "اقرا بـ التشكيل"، فـ نشأنا وإحنا فاهمين إن التشكيل = الإعراب، إنما التشكيل هو وضع الحركات على أي حرف، يعني لما أكتب مثلا: مَكتب، وأحط فتحة فوق الميم، يبقى أنا شكّلت الميم.
اتعمل التشكيل، لكن برضه فضلت العملية دي مستمرة التطوير، وكل حد جه كان له إسهامه، يعني مثلا الخليل بن أحمد (تاريخ وفاته 170 هجريا) هو اللي عمل الهمزة، وظبط أمور كتيرة في التشكيل.
كمان مع الإعجام، بدأ نصر تنظيم الأمور، وتقسيم القواعد لـ أقسام، وإعادة ترتيب الحروف، بدال "أبجد هوز حطي كلمن"، اللي هم ألف باء جيم دال، بقت ألف باء تاء ثاء، ومشيت الأمور.
حلو!
خلينا هنا نتكلم عن كذا حاجة، بداية من نصر بن عاصم، هـ يبقى فيه ناس مهتمين بـ النحو، ونصر هـ يبقى له تلاميذ، والتلاميذ هـ يبقى لهم تلاميذ، حيلو! نصر بن عاصم عاش فين؟ في البصرة العراقية، فـ دراسة النحو العربي بدأت في البصرة.
بعد أجيال من النحاة في البصرة، النحو هـ يتنقل لـ الكوفة، بس في الكوفة هـ يدرسوه بـ شكل شوية مختلف، فـ يبقى عندنا مدرسة البصرة، وعندنا مدرسة الكوفة، بعد كدا تبدأ تتوالى المدارس: البغدادية والشامية والأندلسية والمصرية.
حيلو! الدخول في غابة المدارس دي، والفروق بينها، حاجة ما تهمناش أوي هنا، أنا بس عايز أقول لك، إنه الدنيا متسعة أوي، مفيش حاجة واحدة واضحة ممسوكة اسمها "النحو العربي".
المهم، بـ شكل عام، إزاي الناس دي كانت بـ تشتغل؟ أول هام، المادة اللي هـ يشتغلوا عليها، علشان يستنبطوا منها القواعد، تشددوا جدا جدا في اختيار القبايل اللي ياخدوا منها أي كلام، هـ أدي حضرتك شوية أمثلة:
استبعدوا قبيلة لخم وقبيلة جذام لـ إنهم مجاورين لـ مصر، استبعدوا قبيلة نمر لـ إنهم مجاورين لـ اليونان، استبعدوا قبيلة بكر لـ إنهم مجاورين لـ الأنباط، استبعدوا قبيلة عبد قيس وأزد لـ إنهم مجاورين لـ الفرس، استبعدوا أهل اليمن، لـ اختلاطهم بـ الأحباش والهنود، وهكذا وهكذا.
مدرسة الكوفة كانت أحيانا تتساهل شوية في التقسيمة دي، فـ مدرسة البصرة تعتبرها أفسدت النحو، نقرا مثلا أبو زيد الأنصاري يقول:
قدم الكسائي البصرة (الكسائي من نحاة الكوفة المشهورين) فأخذ عن أبي عمرو بن العلاء، وعن يونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، ثم خرج إلى بغداد وقد قدم أعراب الْحُطْمة (بطن من قيس) وأخذ عنهم شيئا فاسدا
فخلط هذا بذاك، فأفسده.
يعني الكسائي، خد حاجة من أعراب الحطمة، اللي هم أعراب، من قبيلة قيس، بس دا طبعا "فاسد"، فـ لما الكسائي اعتبر بـ كلام الحطمة دا، علشان يدرسه، أفسد الموضوع كله.
طيب، إنت عمال تستبعد دا ودا ودا ودا، ومش معتبره "لغة عربية"، علشان اختلاطهم بـ "غير العرب"، بـ تفترض كدا إنه القبايل اللي إنت اخترتها ما اختلطتش بـ حد تاني، ودا مش صحيح، مفيش حد ما اختلطش، ومفيش حد ما اتأثرش، لكن هـ نقول إيه، هـ يروحوا من ربنا فين