نقط المصحف
إحنا كدا، بـ نكتب القرآن في "المصحف"، على طريقة الرسم، المنسوبة لـ عثمان بن عفان، اللي هو حروف مصمتة، بـ لا أي تنقيط ولا تشكيل، ولا أي حاجة تبين التاء من الباء، ولا كَتَب من كُتِب، فـ كان أول جهد علمي ملموس، أول حاجة عملها العرب في حياتهم، أول إسهام فعلي ليهم في تاريخ البشرية، هو "نقط المصحف".
هنا بقى نتكلم عن حاجة ملتبسة عند ناس كتير، وهي إنه أول ما يتقال "نقط المصحف"، الأذهان بـ تتجه مباشرة لـ وضع نقطة فوق الغين، لـ التمييز بينها وبين العين، ونقطة فوق الزاي، لـ تمييزها عن الراء وهكذا، دا ما اسموش "نقط"، دا اسمه "إعجام"، ولـ إنه "النقط" اختفى، سمينا الإعجام "نقط"، ومشيت، إيه بقى "نقط المصحف"؟
هو وضع نقاط تدل على الحركات، في أواخر الكلمات، لـ إيضاح إعرابها، يعني "الحمدُ لله رب العالمين"، الدال في "الحمد" عليها ضمة، ليه؟ علشان وظيفتها في الجملة، لو قلنا في جملة تانية مثلا، "إن الحمد لله"، هـ تبقى الدال فوقيها فتحة، علشان وظيفتها اتغيرت.
وظايف الكلمة في الجملة هـ يسموها بعدين مبتدأ وخبر واسم "إن" و.....
طيب، "الحمد لله رب العالمين"، نعمل إيه، علشان نبين إنها الحمدُ مش الحمدَ ولا الحمدِ؟ نحط نقطة على شمال الدال، ولو هي فتحة، النقطة تبقى فوق الدال، ولو كسرة، النقطة تبقى تحت الدال، ولو تنوين، النقطة تبقى نقطتين.
مين اللي عمل كدا؟ أبو الأسود الدؤلي، علشان كدا، أحيانا يقول لك إن أبو الأسود الدؤلي، هو "واضع" علم النحو، لو نقط المصحف بـ النسبة لك، هو "علم النحو"، يبقى صح، أبو الأسود الدؤلي هو واضع علم النحو.
لكن، هل نقط المصحف بس هو كل ما أنجزه أبو الأسود الدؤلي؟ الإجابة: لأ، هو "اهتم" بـ "قواعد" اللغة العربية، لكن وصل إنجازه لـ حد فين؟ الله أعلم. الحاجة الوحيدة الممسوكة، هي عملية نقط المصحف، اللي هي عملية نحوية تماما، حيلو!
فيه بقى سؤال شديد الأهمية بـ النسبة لي، منين جاب أبو الأسود الدؤلي، فكرة وضع نقاط على الحروف لـ الدلالة على إعرابها؟ جابها من "الأصل" يا بيه. وهو الأصل في اللغة العربية فيه حاجة زي كدا؟ ومين قال إنه "الأصل" في اللغات العربية؟ جابها من السريانية، لـ إنه دي طريقة السريان في تبيين إعراب الكلمات، من القرن الخامس الميلادي، يعني قبل أبو الأسود بـ قرنين من الزمان، وهو كان متعلم اللغة السريانية، وعارفها كويس,
فيه اتجاه قوي، غالبا أميل لـ السلفيين، إنه دا مش صحيح، وما يصحش نقول كدا، وأبو الأسود اخترع الطريقة دي من دماغه، تمام، أنا ما كنتش في دماغه ساعتها، علشان أعرف هو خدها من السريانية قصدا ولا لأ، بس محدش بـ ينكر، إنه كان يعرف السريانية، وإنه السريانية كانت بـ تعمل كدا، فـ حتى لو مش "قاصد"، وجابها من "دماغه"، فـ دماغه محكومة بـ معرفته، مفيش دماغ بـ تجيب فكرة من الفراغ كدا.
ثم إنه إيه العيب في كدا؟ آه صح، إنتو عايزين تقولوا إنه كل حاجة في اللغة العربية، أصلية وأصيلة، تمام، ما علينا، على أي حال اختفى النقط بعد كدا، بعد ما اتعمل "الإعجام"، اللي له قصة تانية خالص.