لما فشا اللحن
تقريبا، فيه اتفاق عام من أول ابن خلدون لـ حد النهاردا، على إنه ما دفع "العرب"، لـ إنشاء "علم النحو"، هو إنه "لما فشا اللحن". فشا يعني انتشر، واللحن يعني الخطأ. حتى القصص كلها اللي اتحكت، ماشية في الاتجاه دا، لقى واحد بـ يقرا القرآن غلط، لقى بنته بـ تغلط .... إلخ
هل الكلام دا دقيق؟ إجابتي إنه لأ، ليه؟ هو إيه اللحن أصلا؟ هو "الخطأ"، كويس، منين بـ ييجي الخطأ في اللغة؟ يعني، إحنا مصريين قاهريين، إيه اللي يخلي واحد "مصري قاهري"، يغلط في اللغة المصرية القاهرية؟ مفيش .
ممكن طبعا ناس "تغلط"، بـ معنى إنها تقول حاجة على سبيل الخطأ، بس دا بـ يبقى مرة ولا حاجة، وممكن ناس "تغلط"، علشان بـ يكتب أغنية أو شعر، بس أساسا الشعر والأدب، زي ما شفنا، هو لغة فوق اللغة، فـ نعتبره غلط ولا لأ، دي مسألة فيها نظر.
ممكن شخص "يغلط"، لـ إنه عنده عيوب في النطق والكلام، بس دا سيظل استثناء نادر، وحالة خاصة.
فـ المفترض والطبيعي إنه الناس ما تغلطش في "لغتها".
يعني الناس دي كدابة؟ لأ مش كدابين، بس اللي حصل إنه مش "فشا اللحن"، وإنما "اللغة" نفسها بدأت تاخد مسارات مختلفة، عن اللي كانت معتادة عليه.
ليه؟ أولا، القبايل العربية انفتحت على بعضها، فـ بدأت تأثر في بعض، خلينا ناخد مثال تقريبي، "اللغة المصرية القاهرية" بـ تنفي الفعل الماضي إزاي؟ بـ إنها تحط ما قبل الفعل + الفعل + حرف الشين، ما +كتب + ش = ما كتبش، دا غير المضارع: "مش بـ يكتب".
دي "قاعدة"، مش بـ معنى حد قررها، إنما بـ معنى هي دي "اللغة"، فـ كل الناس بـ تتبعها، محدش بـ يقول "مش كتب"، لكن فيه محافظات، أو بعض القرى في بعض المحافظات، بـ تقول "مش كتب" و"مش شرب"، في الشرقية مثلا. ليه؟ علشان دي "لغة" تانية.
هل الاتصال بين القاهريين والشراقوة النهاردا زي من 100 سنة؟ لأ كان ممكن واحد يعيش ويموت في القاهرة
وعمره ما سمع حد شرقاوي بـ يتكلم، والعكس كمان، دلوقتي بقى فيه وسائل اتصال كتير، بـ تزيد يوم عن يوم
يعني مثلا بداية من الخمسينات، الجامعات لما بقت مجانية لـ الجميع، بقى ييجي شراقوة وغيرهم.
ثم تطورت وسائل المواصلات، ثم ظهر الإنترنت، فـ الناس بقت بـ تسمع بعض. هل دا غير حاجة؟ ما نقدرش نقيس دلوقتي، ومحدش كمان "مهتم" يقيس، أنا بس بـ أقول لك، يعني إيه الدنيا اتفتحت على بعض.
طيب سؤال: مين "صح"؟ القاهريين ولا الشراقوة؟ مفيش "صح" و"غلط"، دول بـ يتكلموا بـ "لغتهم" ودول بـ يتكلموا بـ "لغتهم"، لكن لو إحنا عندنا افتراض، إنه لأ، فيه صح واحد بس، مين فينا اللي صح؟
أهو السؤال دا، هو المشكلة كلها، لما اتفتحت القبايل العربية على بعضها، ولقوا ناس بـ يعملوا حاجات غير اللي بـ نعملها، افترضوا إنه الناس دول بـ يتكلوا "غلط"، بـ يلحنوا يعني، بـ التالي، دا هـ يأثر على طريقة قراءتهم لـ القرآن، وغير القرآن، وهـ يأثر كمان علينا إحنا، وعلى ولادنا، وافترضوا، إنه الناس دول انحرفوا عن "الأصل".
فـ إحنا لازم نحط "الأصل" دا في قواعد، مش إننا هـ نحط لغة رسمية إجرائية، مؤسسة على قواعد اللغة المركزية، لأ، فيه تغييرات هـ تحصل، فـ إحنا لازم نلحقها، وعشان نلحقها لازم نوحد اللغة، زي ما وحدنا القرآن.
إنما مش بس انفتاح القبايل على بعضها، فيه عامل تاني، خلينا نشوفه المرة الجاية، وابقوا معنا