بحث الدكتور محمد خفاجى عن خطر الشائعات فى المجتمع (33)
◄ تكاتف وسائل الإعلام لتنمية الوعي العام المعرفي والنقدي يعمل على تحصينه ضد وباء الشائعات
◄ نشر المعلومات من قنوات الاتصال الرسمية فى الوزارات والمصالح الحكومية يقضى على الشائعات
◄ التصدي للشائعات ليس بالأمر الهين وأنادى بإنشاء مجلس قومي متخصص للمواجهة الوقائية للشائعات
◄ وسائل التواصل الاجتماعي غيرت من طبيعة الشائعة وطرق تداولها ويجب إبراز الدور الفاعل للإعلام للحد من سرعة انتشارها
◄ الدول راعية الإرهاب تستعين بعلماء النفس وخبراء الاجتماع حتى تحقق الشائعات أهدافها وتؤثر على القوى المعنوية للشعوب
◄ مَن يبث الشائعات يستغل ضعف الوعي واستعداد البعض للانقياد والانسياق، ويجب تبني استراتيجية موجهة لنشر ثقافة النقد الموضوعى
◄ مروجو الشائعات يستغلون بعض القصور فى أداء الخدمات أو المسئولين فينشرون الشائعة المغرضة لغضب المواطنين
◄ استخدام الجماعات الإرهابية للشبكات الاجتماعية كمنصة إعلامية جديدة جاء بعد فشلهم فى المنصات الإعلامية التقليدية
أجرى المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، بحثًا بعنوان «الحماية القانونية للمجتمع من بث الشائعات والأخبار الكاذبة وتأثيرها على الأمن القومي».
وجاء فيه أن الشائعات من أخطر الأسلحة المدمرة على كيان المجتمعات، وقد أثرت في بعض الدول التى تفككت بفعلها وسريانها بين الناس، خاصة أن ترويج الشائعات فى العصر الحالى يستغل التقدم التكنولوجي في وسائل الاتصال وقد تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسي عن خطر الشائعات على المجتمعات في أكثر من مناسبة، وكان يجب على الباحثين دراسة الظاهرة من النواحى الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والقانونية لحماية المجتمع من شرورها.
ونعرض في الجزء الثالث والأخير لأهم ما تضمنه بحث الدكتور محمد خفاجي عن خطورة الشائعات على المجتمعات واستراتيجية المواجهة في النقاط التالية:
أولًا: نشر المعلومات من قنوات الاتصال الرسمية في الوزارات والمصالح الحكومية يقضى على الشائعات:
يقول البحث، المعلومات والبيانات والإحصاءات ملك للشعب، وهو حق دستورى بموجب المادة 68 من الدستور والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، بل والتظلم من رفض إعطائها، كما جعل المشرع الدستورى حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمدًا جريمة جنائية يتناولها المشرع بالتنظيم.
ويضيف أنه ينبغى التأكيد على الدور الحيوى لقنوات الاتصال الرسمية في الوزارات والمصالح الحكومية في توفير ونشر المعلومات عن كل ما يثار من شائعات، ولكن في بعض الأحداث قد لا تقدم المعلومات الكافية في حينها أو تحجب بعض الوقت أو التقطير فيها لأى سبب، وفي هذه الحالة يفقد المسئولون قدرتهم علي القيام بوظيفتهم علي الوجه الأمثل، وينجم عنه خلل وظيفيا في البناء الاجتماعي، نتيجة غياب توفير المعلومة التي تفسر الوقائع محل الشائعة.
ثانيًا: تكاتف وسائل الإعلام لتنمية الوعي العام المعرفى والنقدى يعمل على تحصينه ضد وباء الشائعات:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن تكاتف وسائل الإعلام المختلفة بات من الأمور المسلمة للحفاظ على المجتمعات من التدهور والانهيار، فيقومون بعرض الحقائق في حينها وقبل استفحالها، وبقصد تدعيم روابط الثقة بين المواطنين والدولة وتنمية الوعي العام والعمل على تحصينه ضد وباء الشائعات، ومصر ذاخرة بالكفاءات الإعلامية القادرة على القيام بهذا الدور المهنى والوطنى، وهذا يتطلب تتبع أثر الشائعة والوصول إلي جذورها بعد توفير البيانات الصحيحة من الوزارات المختلفة والمصالح الحكومية، واستضافة أهل العلم والخبرة للعمل علي رفع مستوى الأفراد الثقافي والمعرفي والنقدى، لأن الشائعة لا تجد مصيرها سوى لروادها الذين يتصفون بالإيحاء السريع.
ويضيف: يجب التمعن في أن الشائعة ليست من صنع شخص وحيد يحتكرها بمفرده، وإنما يتشارك في بثها ونشرها مجموعة من الأشخاص، وأن الدورة الزمنية لبقاء الشائعة على قيد التواصل ترتبط بمدي أهميتها لأفراد المجتمع أو قطاع كبير منهم، خاصة في حالات الكوارث الطبيعية والأوبئة والأمراض المعدية، مثل وباء كورونا يدفع الناس إلي تناوله في أنشطتهم اليومية، وأغلبهم يعتمد فى الشائعة على الفزع والرعب فى قلوب الناس، وعلى الإعلام دور كبير للتصدى لظاهرة الشائعات، لاتصاله بالجماهير مباشرة، فيتولى كشفها وبيان حقيقتها غير المشروعة للمشاهدين.
ثالثًا: التصدي للشائعات ليس بالأمر الهين وأنادى بإنشاء مجلس قومى متخصص للمواجهة الوقائية للشائعات:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن التصدي للشائعات ليس بالأمر الهين وليس طريقة ارتجالية تترك لمحض الأحداث والصدف، وإنما هو عمل مركب معقد يعتمد على عدة عوامل متشابكة تجب مواجهتها من جهة ذات خبرة تكون قادرة للتعامل معها، لذا أنادى بإنشاء مجلس قومى متخصص للمواجهة الوقائية للشائعات من عناصر متنوعة من عدة أجهزة ذات الصلة تمتاز بالخبرة والذكاء للتعامل المجتمعى في جميع المجالات التى تتصل بمصالح الدولة العليا وتكون مهمته رصد الشائعات في وقت بثها أو قبيل بثها من كل وجوهها الشكلية والموضوعية وبيان مصادرها الأصلية والمتتابعة، ثم يتولى تحليلها من عدة جوانب، أهمها مصادر بثها وتحديد أسبابها ودوافعها والغرض منها وجمهور المخاطبين بها، ثم عرض سبل مواجهتها لوأدها في مهدها بالحقائق والأدلة والبراهين ثم كشف الحقيقة أمام الرأى العام.
رابعًا: دراسة طبائع نفوس جمهور متلقى الشائعات من العوامل المساعدة لمواجهتها:
يقول الدكتور خفاجى: من المهم أن ندرس طبائع نفوس جمهور متلقى الشائعات، خاصة من رواد أهم وسائل التواصل الاجتماعى Face book وTwitter لانتشارها عليها بصورة موسعة وسريعة، وهم على ثلاثة أنواع: الأول ضعاف الوعى والمعرفة، وهم الذين يتلقون الشائعات دونما ثمة تحليل أو فحص أو تمحيص.
والثاني المروجون للشائعات، وهم الذين يقومون ببثها ونشرها في المجتمع فى صفحاتهم الشخصية عن عمد ونية، والثالث المواجهون للشائعات، وهم الذين يمتازون بالعقلانية والوعى والوطنية، وأصحاب هذا النوع الأخير يقومون بإجراء التحليل المعقول للشائعة بقصد معرفة حقيقتها والوقوف على مصداقيتها. ومن الخطورة بمكان أن يلتقى الجهلاء مع مروجي الشائعات لأنه بجهلهم يتحولون إلي مروجين للشائعة عن طريق انقيادهم للمروجين الأصليين، لأن الشائعات تتصف بالتغير والإضافة، فالشائعة بطبيعتها تتصف بالديناميكية، فموضوعات الشائعة يتم تغييرها لتصبح أكثر إثارة في كل مرة تنتقل من فرد إلي اخر حسبما يضيف من خيالاته وأغراضه.
خامسًا: وسائل التواصل الاجتماعي غيرت من طبيعة الشائعة وطرق تداولها ويجب إبراز الدور الفاعل للإعلام للحد من سرعة انتشارها:
يقول الدكتور محمد خفاجى: ينبغى أن نشير إلى أن الشائعات تزايدت مع اتساع رقعة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من واتس آب، وتويتر وفيس بوك، وقنوات اليوتيوب، ويمكن القول إن برامج التواصل الاجتماعي غيرت من طبيعة الشائعة وطرق بثها وتداولها ومدى انتشارها وقوة سرعتها، فبعد أن كانت الشائعة في صورتها التقليدية تنتشر عن طريق السمع، أصبحت تتناقل عن طريق النظر والمشاهدة والقراءة أيضًا. وهو ما يتطلب معه إبراز الدور الفاعل للإعلام، للحد من سرعة انتشار الشائعات عن طريق إمداد الإعلام بالحقائق فى حينها للقضاء عليها، لذا فإن العمل على خلق ثقافة الوعى وتنميتها هي التي تمكن الشعب من مواجهتها بالرفض بدلًا من التصديق.
سادسًا: من يبث الشائعات يستغل ضعف الوعي واستعداد البعض للانقياد والانسياق، ويجب تبنى استراتيجية موجهة لنشر ثقافة النقد الموضوعى:
لا ريب أن من يبث الشائعات يستغل ضعف الوعي لدى بعض أفراد المجتمع واستعدادهم للانقياد والانسياق لسرعة انتشار الشائعة، مما يقتضى تبنى استراتيجية موجهة لزيادة وعي أفراد المجتمع والعمل على نشر ثقافة النقد الموضوعى فيما بينهم بالالتزام بالموضوعية وآداب الحوار واحترام الرأى والرأي الآخر، للوصول إلى خلق جمهور واع ومحلل وناقد بموضوعية وشفافية. مع ملاحظة مهمة تتعلق بالعلاقة الطردية بين الشائعة ونسبة انتشارها، إذ تقوم على عنصرين، هما الأهمية والغموض، فكلما زادت الأهمية وكان الخبر مثيرًا للجدل وشديد الغموض انتشرت الشائعة في المجتمع حتى ولو كان المجتمع أكثر وعيًا مما يتطلب إيضاح الحقائق في الوقت المناسب حول الموضوعات المهمة محل الشائعة.
سابعًا: مروجو الشائعات يستغلون بعض القصور في أداء الخدمات أو المسئولين فينشرون الشائعة المغرضة لغضب المواطنين
إن مروجى الشائعات يستغلون بعض القصور في أداء الخدمات أو قصور في آداء المسئولين أنفسهم، فيعمدون لنشر الشائعة المغرضة والمثيرة لغضب المواطنين بقصد نشر البلبلة في المجتمع، والتقليل من أهمية الإنجازات التي حققتها الدولة، خاصة في مشروعاتها القومية، وتهميش آداء بعض الوزراء في الوزارات الخدمية المتصلة مباشرة بالجماهير مثل مرافق الأمن والتعليم والصحة والأوقاف وغيرها، ومن ثم يكثر بث الشائعة حول القائمين على تلك المرافق بها، وهو ما يفرض على القائمين عليها التصدي لوقف نزيف الشائعات فور صدورها والحيلولة دون السماح لأفراد المجتمع في بثها ونشرها بصدور تصريحات إعلامية تتميز بالوضوح والدقة والبراهين والأدلة، بما يؤدى إلى وأد الشائعة وهى ما زالت في مهدها، والحقيقة أن تلك المرافق قطعت مراحل متقدمة لمواجهة الشائعات، وعلى قمتها مرفق الأمن الذى يحمل على لوائه العبء الأكبر فى التصدى للشائعات باحترافية كبيرة، كما أن مرفق الأوقاف قد انتهج نهجًا جديدًا متسارع الخطى لمواجهة الشائعات الدينية التى تعد من أخطر الأسلحة النفسية فى يد الجماعة الإرهابية.
ويضيف أن الشائعات غرضها خبيث لا يهدف إلي المصلحة العامة، وتعتمد الشائعة على استغلال بعض نقاط الضعف في المجتمع من مظاهر سلبية حتى لصغار الموظفين في أداء الخدمات، وكذلك لبعض صور البطالة وحالات الفقر، وهو ما يستنهض همة المسئولين في مواجهتها والتصدي لها بالمعلومات الدقيقة والصحيحة التى تعتمد على الدلائل، ويتعين معه الرجوع إلي المصادر الرسمية التى توفرها الدولة وأجهزتها الإدارية لوسائل الإعلام.
ثامنًا: (مفاجأة) الدول راعية الإرهاب تستعين بعلماء النفس وخبراء الاجتماع حتى تحقق الشائعات أهدافها وتؤثر علي القوى المعنوية للشعوب
يقول الدكتور محمد خفاجى إنه يغيب عن ذهن الكثيرين أن الشائعات الكبرى تمولها دول راعية للإرهاب وهى تهدف إلى إسقاط الدول، ولا تعتمد على ناقصى الوعى والإدراك المجتمعى، بل تعتمد على علماء النفس وخبراء الاجتماع والباحثين في علم الشائعات حتى تحقق أهدافها نحو التأثير على القوى المعنوية للشعوب، وتلك الدول لها أتباعها الذين يروجون لتلك الشائعات منهم عن قصد وهؤلاء نسبة عالية، ومنهم دون تبصر أو وعى وتلك نسبة قليلة، وهم الجمهور الذين يبحثون عن وصول الشائعة إليه، لذا ينبغى الاهتمام بحرص وعناية في هذه النقطة الهامة.
ويضيف الدكتور خفاجى أن أدوات المواجهة في العصر الحديث لم تعد قائمة على الشكل التقليدى المتمثل في مواجهة الآلة العسكرية فحسب، وإنما باتت قائمة على مواجهة العقول، وآية ذلك أن الحرب النفسية التي تشنها الدول المتناحرة المتصارعة قد تغيرت وتطورت لأشكال جديدة نشأت من صناعة التكنولوجيا ووسائل الاتصال، وأصبحت حروبًا باردة تقوم أساسًا على حروب الشائعات لضرب البناء الاجتماعى للدول، وكثير من الدول الضالعة في رعاية وحماية الإرهاب تجند في تلك الحروب علماء من ذوى الخبرة في مجالات علم النفس والاجتماع، وهو ما كشفت عنه الطفرة التى تحققت في مجال الاتصالات السمعية والمقروءة والمرئية من خطاباتها التى تستتر تحت عباءة الزود عن حقوق الشعوب، وهى ليست بوصية عليهم، باستخدام الإيحاء وتأثير ظاهرة التكرار.
تاسعًا: استخدام الجماعات الإرهابية للشبكات الاجتماعية كمنصة إعلامية جديدة جاء بعد فشلهم في المنصات الإعلامية التقليدية:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن الشائعات المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لها دور في استقطاب الشباب، ويتزايد مخاطرها مع ضعف المواجهة العقابية والمجتمعية وانخفاض الوعي، والحق أن استخدام الجماعات الإرهابية للشبكات الاجتماعية كمنصة إعلامية جديدة جاء بعد أن فشلت في المنصات الإعلامية التقليدية وفي شن الحروب النفسية ونشر الشائعات بين صفوف الشعب. وهذه نقطة على جانب كبير من الأهمية يجب استنهاض الهمم فى التوعية بخطورة الانسياق لجروبات الجماعات الإرهابية التى تتستر خلف مسميات تعاطفية تدعى مكافحة الفساد، وهى تتخذ من منابر التواصل الاجتماعى وسيلة تثير الفزع بين الناس، بحجة الدفاع عن مصالحهم.