فيلسوف التجديد والمواطنة والتقدم
تناقلت عدة صحف ومواقع إلكترونية على استحياء، خبرًا يستحق المزيد من الأضواء، وهو المتعلق بمشاركة ٢٨ فيلسوفًا وعالمًا وباحثًا مصريًا وعربيًا، لأول مرة، فى تحرير كتاب يصدر عن كرسى اليونسكو للفلسفة بالعالم العربى، تحت عنوان «فيلسوف التجديد والمواطنة والتقدم.. دراسات فى فلسفة الخشت النقدية».
الكتاب يقدمه رئيس كرسى اليونسكو للفلسفة بالعالم العربى، المفكر والفيلسوف التونسى الدكتور فتحى التريكى، وتصدير الكتاب يسهم به فيلسوف مصر الكبير الدكتور مراد وهبة، بينما يتولى مسئولية تحرير الكتاب الفيلسوف الدكتور أحمد عبدالحليم، رئيس تحرير دورية أوراق فلسفية، وقد أجمع المشاركون على أن «الخشت» من أهم الفلاسفة العرب، الذين استطاعوا ربط التفكير الفلسفى بالشأن العام.
عناوين وأسطر وأسماء مصرية وعربية، جميعها تلتف حول قيمة الأستاذ الدكتور محمد عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة، أستاذ فلسفة الأديان والمذاهب الحديثة والمعاصرة، مسئول يتردد اسمه فى حياتنا اليومية بمناسبة منصبه، وقد نمر مرور الكرام على مقالاته، بينما تستحق التوقف فى تأمل يناسب عطاءه الفكرى والعلمى والإنسانى. بحثت فى سيرة الرجل، فوجدت أنه صاحب نظرية جديدة فى تطور الأديان، قدمها فى كتابه «تطور الأديان»، وفيه استطاع طرح أول مقارنة شاملة بين الأديان والفلسفات من زاوية نظريات التطور، تجمع بين الوصف العلمى والتحليل الفلسفى والنقد العقلى الملتزم بمعايير المنطق، ونجح فى توظيف تلك المعايير فى أشكالها الأكثر تطورًا فى العصر الحديث. كما قدم مشروعًا جديدًا لتجديد الفكر الدينى، يطرح ضرورة تطوير علوم الدين وليس فقط إحياءها، ويدعو إلى صياغة خطاب دينى جديد بدلًا من تجديد الخطاب الدينى القديم، واجتهد الرجل فى كتابة علوم الحديث فى صيغة عصرية، كما أعاد قراءة موقف الشريعة من قضايا المرأة، نحن إذن أمام مشروع متكامل، يجمع بين المنهج العقلى والخلفية الإيمانية، ويوازن فى إعادة قراءة التراث الإسلامى بين مختلف العلوم الإنسانية والشرعية، مشروع صاغه صاحبه فى ٤١ مؤلفًا و٢٤ كتابًا مُحَقَقًا من التراث الإسلامى، وبخلاف بحوث ودراسات مثلت جميعها إسهامًا ومنجزًا، أدرج، «الخشت» ضمن موسوعة الفلاسفة العرب المعاصرين، الصادرة عن كرسى اليونسكو للفلسفة عام ٢٠١٧.
أحتاج إلى المزيد من انتباهك، حتى أقف بك عند كل مصطلح أضافه فلاسفة اليونسكو لاسم الدكتور محمد عثمان الخشت، فى عنوان الدراسة المشار إليها، «فيلسوف التجديد والمواطنة والتقدم»، التجديد، المواطنة، التقدم، ثلاثة مصطلحات هى فى واقع الأمر ثلاثة عناوين لثلاثة من أهم الملفات على أجندة الدولة المصرية، وفى عصر عنوانه الرئيسى «إعادة البناء»، وهى ملفات تحتاج إلى أن يتولاها نفر من أصحاب الرؤى الإنسانية الواضحة، والنظريات العلمية المحكمة، والمناهج التطبيقية المتزنة، وقبل هذا كله وبعده نفر من ذوى الوجوه البشوشة والعقول المرنة المرحبة بتنوع الاجتهادات فى سبيل وحدة الهدف، ولا شك أن الفيلسوف الدكتور محمد عثمان الخشت هو أحد هؤلاء.
صحيح أن احتكاك الدكتور الخشت بالشأن العام، من خلال رئاسته جامعة القاهرة، يمثل مشهدًا إيجابيًا يأتى لصالح جيل شاب واعد ينتمى لجامعة عريقة، ولكن عطاء الرجل أراه يستحق فرصة الاجتهاد على نطاق أكبر لما فيه صالح المجتمع المصرى ككل وعلى اختلاف فئاته، يقينى أن مشروعًا مصيريًا شائكًا كتجديد الخطاب الدينى بات يحتاج إلى تكليف واضح، يمنح المؤهلين فرصة وضع استراتيجية محددة الملامح، تكتمل بخطة عمل وآلية تنفيذية تأخذ وقتها فى التطبيق. فنحن فى النهاية نتحدث عن نفس طويل، يتعلق بإعادة صياغة الشخصية المصرية، وكفانا ما ضاع من وقت مع من كانوا جزءًا من المشكلة ولن يصيروا يومًا جزءًا من الحل.