البيعة فى التشريع الإسلامى
قلت: وعليه وصح لمن يعظم شعائر الله، أحكام البيعة فى التشريع الإسلامى، ليميز بين النفيس والخسيس، والأصيل والدخيل، والمشروع والمبتدع.
البيعة فى التشريع الإسلامى تتصل بها أمور مهمة ينبغى عرضها ليكون أمر الشرع مذكوراً لا مهجوراً، ويكون المسلم على بصر وبصيرة بالصحيح والفاسد، والله - سبحانه وتعالى - المستعان: أولا: مفهوم البيعة: لغة: المبايعة على الطاعة، ويراد بها المعاهدة والمعاقدة.
واصطلاحا: العهد على الطاعة، كأن المبايع يعاهد أميره «الحاكم» على أن يسلم له النظر فى أمر نفسه وأمور المسلمين، لا ينازعه فى شيء من ذلك، ويطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط والمكره، وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهده جعلوا أيديهم فى يده تأكيداً للعهد، فأشبه ذلك فعل البائع والمشترى، وصارت البيعة تقترن بالمصافحة بالأيدى.
ثانيا: أنواع البيعة:
أ- بيعة دينية: تكون لله - عز وجل - فى الالتزام بشرعه، ولسيدنا محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى أمور دينية: الهجرة، الجهاد، إقامة أركان الإسلام، الثبات فى ملاقاة الأعداء، التمسك بالسنة واجتناب البدعة والحرص على الطاعات.
ب - بيعة سياسية: من أهل الحل والعقد وسائر الناس للحاكم الذى يختارونه للحكم ممن قد استوفى الشروط الشرعية لها، وكذلك لمن ينعقد حكمه بولاية العهد أو بالتغلب.
ثالثا: الحكم التكليفى: تكون البيعة واجبة عينيا على أهل الحل والعقد: العلماء ورؤساء ووجوه الناس ممن يناط بهم اختيار الحاكم، ويشترط فيهم: العدالة الظاهرة، العمل الموصل لمعرفة من يستحق الولاية، والرأى والحكمة، والإخلاص لله - تعالى - والنصيحة للناس، وممن لهم قوة وجاه عند الناس الذين يتبعونهم، وتكون البيعة واجبة وجوبا كفائيا على سائر الناس، فالأصل وجوبها على كل واحد منهم تبعا لبيعة أهل الحل والعقد، وأما أنها كفاية لأن أهل الحل والعقد متى قاموا بها أغنوا عمن سواهم، ويجب وجوبا عينيا على من تم اختيارهم ليكون حاكما قبولها إن تعين الحكم لأنه الأصلح والأفضل، أو لا يوجد غيره مستوفيا للشروط الواجبة فى الولاية الكبرى «الحكم»، وفى غير ذلك تكون واجبة وجوبا كفائيا فيما لو استوفى الشروط أكثر من واحد.
رابعا: مشروعية البيعة: ثبتت البيعة بدليل القرآن الكريم والسنة النبوية والأثر والإجماع.
1) دليل الكتاب العزيز: آيات قرآنية محكمة منها:
قول الله عز وجل : «إن الذين يبابعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم»، وجه الدلالة: يده - سبحانه - فى الثواب فوق أيديهم فى الوفاء ويده فى المنة عليهم بالهداية فوق أيديهم فى الطاعة، والمراد بالمبايعة فى الآية بيعة الرضوان بالحديبية.
2) دليل السنة النبوية: أحاديث ووقائع وشواهد منها:
أ- بيعة العقبة: قوله - صلى الله عليه وسلم - «بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا فى معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله.. «فبايعناه على ذلك».
ب- بيعة نساء المدينة: خبر أم عطية - رضى الله عنها - «جمع نساء الأنصار فى بيت، ثم أرسل إلينا عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - فقام على الباب، فسلم، فرددن عليه السلام، فقال: أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليكن: « أن لا تشركن بالله شيئا، فقلن: نعم، فمد يده من خارج البيت، ومددنا أيدينا من داخل البيت، ثم قال: اللهم اشهد».
ج - بيعة الرضوان عند الحديبية: «كنا ألفا وأربعمائة، فبايعناه، وعمر - رضى الله عنه - آخذ بيده تحت الشجرة».
د - بيعة النساء بعد الهجرة: عن عائشة - رضى الله عنها - قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمتحن يقول الله تعالى: «يا أيها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك فى معروف فبايعهن واستغفر لهن الله».
وصفة مبايعتهن: بالكلام وهو أغلبه، وفى واقعة أنه - صلى الله عليه وسلم -: «دعا بقدح ماء فغمس فيه يده، فم أمر النساء فغمسن أيديهن فيه»، دون مصافحة مطلقا.
3) دليل الأثر: مبايعة الصحابة - رضى الله عنهم - لسيدنا أبى بكر - رضى الله عنه -
دليل الإجماع:
خامسا: صفة البيعة:
أ- بيعة الرجل بأخذ الكف «المصافحة» مع الكلام.
ب - بيعة النساء بالكلام من غير مصافحة.
توضيح: يراد بالكلام فى البيعة سواء للرجال والنساء ذكر محتوى البيعة سواء الدينية أو السياسية حسب ما فى الأحاديث والآثار، ولم يرد قسم للمبايع مطلقا بأى نوع من أنواع القسم الشرعى.
صفة البيعة: البيعة عقد مراضاة واختيار، لا يدخله إكراه ولا إجبار، بين طرفين:
أحدهما: المبايع.
ثانيهما: الشخص: الدينية كانت لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومبايعته بنص الآية «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله» مبايعة لله - عز وجل - وعليه لا تجوز بيعة لغير الله ورسوله.
السياسية: لولى الأمر الشرعى «الحاكم» فقط عند أو عقب اختياره بالوسائل المشروعة ويجب على طرفى البيعة الوفاء وعدم الخيانة وعدم الغدر.
قال الله - عز وجل - «وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها وقد جعلتهم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون».
صيغ البيعة: لا توجد ألفاظ ملزمة بل كل كلام واضح سواء لفظا أو خطا، أو إشارة مفهمة، للعاجز عن النطق، أو لمن يتقن لغة من يبايعه- ويراعى الإيجاب والقبول بين طرفى البيعة.
سادسا: آثار البيعة: إذا وقعت البيعة مستوفية أركانها من: مبايع، مبايع له، محل البيعة «موضوعها الدينى أو السياسى» والصيغة.
وشروطها من الأهلية الشرعية من البلوغ والعقل والاختيار «تمام الإرادة» صحت وترتب عليها الآثار.
المبايع: الوفاء - كما سلف - ويحرم نقضه للبيعة إلا لموجب شرعى يقتضى انتقاض البيعة، مثل ردة الحاكم، وعدم قدرته على القيام بمهام وأعباء ما تمت البيعة لأجله، ونقض البيعة لغير ذلك حرام شرعا للنهى عن ذلك فى قوله الله - تعالى - «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما».
ب- والمبايع له: يجب عليه الالتزام - كما سلف - من مضمون وغرض البيعة، قال الله - عز وجل - «أوفوا بالعقود»، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا».
■ أستاذ الشريعة الإسلامية- جامعة الأزهر