وأن المساجد لله
بدون مقدمات.. وجدنا خطيباً غريباً علينا، من ذوى اللحى، يعتلى منبر المسجد الملحق بالبرج السكنى الذى نسكن فيه، قلنا وقتها «إمام والسلام» مادام يتحدث فيما جاء من عند الله وأوصانا به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم..
كان ذلك فى أعقاب ثورة 25 يناير 2011، وما إن وصل الإخوان إلى الحكم، حتى تحول الحمل الوديع، صاحب العلاقة الودودة البشوشة مع المصلين فى المسجد إلى طاووس منفوش، وكأنما حاز الدنيا بين كفيه.. ساعتها قلت لجيران المنزل «هى نشوة الانتصار فى الانتخابات الرئاسية ومن قبلها البرلمانية، وصعود التيار الدينى إلى الحكم، بعد سنوات ذلهم.. اتركوه يعيش له يومين».. ثم سرعان ما بدأ الرجل فى حديث السياسة من فوق منبر الجمعة، وهى الظاهرة التى امتلأت بها المساجد خلال العامين الماضيين، وسط صمت وزارة الأوقاف التى فقدت سيطرتها على هذه المساجد، ثم مباركة الوزارة فى عهد الوزير الإخوانى طلعت عفيفى لهذه الممارسة السياسية داخل بيوت الله، التى قال عنها رب العزة «وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدًا»، حتى ولو كان مرسى وجماعته!.
بلغنا ذروة المأساة فى مسجدنا هذا، يوم أن فوجئنا بالشيخ «الطاووس» يتحدث عن الدستور الذى سيُستفتى عليه الشعب بعد أيام، محذراً المصلين من قراءة النسخة المطروحة من الدستور بين الناس لأنها «نسخة مزورة، لا علاقة لها بصحيح الدستور الذى وضعته اللجنة التأسيسية، ولم يشهد له العالم مثيلاً!.. هذه النسخة يقف وراءها رجل أعمال كافر، اعتاد محاربة الإسلام والاستهزاء به!».
احترمت وصديق إلى جوارى، ضرورة التزام الصمت والإمام يخطب، كما أمرنا الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم «من قال لأخيه يوم الجمعة، والخطيب يخطب، صه، فقد لغا، ومن لغا فليس له من جمعته تلك شىء».. وعندما انتهت الصلاة، قمت للناس، موجهاً حديثى إلى الإمام بأنه كان يجب أن يتقى الله فى تكفير إنسان، أياً كان دينه، فذلك أمر موكول إلى الله.. ثم والحديث مازال موجهاً للخطيب من قال إن نسخة الدستور الموجودة فى أيادى الناس مزورة، إنما هى نسخة قامت على طباعتها الهيئة العامة للاستعلامات، وما هذا الخطيب أيها الناس إلا رجلاً يريد أن يوارى عنكم سوءات دستورهم قبل الاستفتاء عليه!.
وإذا بالإمام ينتفض، قائلاً «هل رأيتم.. هكذا هم اليساريون والليبراليون، يرسلون لنا فى كل مسجد اثنين من هؤلاء، يشوشرون علينا ويحدثون بيننا لغطاً.. إنها حربهم ضد الإسلام»!.. وكان طبيعياً أن يسقط فى يدى من هول كذب الرجل الذى تمتد لحيته نصف متر فوق صدره، كما أنه يعرفنى حق المعرفة، على مدى شهور مضت، صلينا خلالها فى نفس المسجد، وهكذا يعرف كل من فى المسجد، الذين باغتوه «طب ما بلاش الكلام ده عن الأستاذ فلان بالذات.. قوله على حد تانى».. ساعتها خرجت من المسجد، وقد انتويت على ما أبلغت به الإمام الكاذب «والله لا أصلى الجمعة فى هذا المسجد مادمت قائماً فيه»، وقد كان.. إلا أن سؤالاً ظل يطاردنى.. كيف نتخلص من هذا السطو على بيوت الله، وبمباركة وزارة الأوقاف؟.. وظللت مؤرقاً لأن الأمر شديد الخطورة، أن يتولى أمر المساجد مثل هؤلاء الذين يتوجهون إلى البسطاء، يلعبون فى أدمغتم باسم الدين.. لكن القرار الأخير باستبعاد 55 ألف خطيب من غير المعتمدين من الأوقاف، جاء كالبلسم، لكنه يحتاج إلى آلية قوية للتنفيذ.
لقد آن الأوان لضبط الخطاب الدعوى، بما يعيد الناس إلى جادة الطريق مع الله، وأن تهيمن الأوقاف على مساجدها، وعدم تركها نهباً لتجار الدين، الذين لوثوا العقل المصرى بأمراض سيُعانى منها طويلاً، قبل أن يفيق من غيبوبته، خاصة فى الأحياء الشعبية وبين بسطاء الناس، الذين يجدون أنفسهم ضعفاء مسلوبى الإرادة، أمام من يقول لهم «قال الله وقال الرسول»، حتى ولو بغير علم صحيح.. إنه النداء الأخير لإنقاذ هذه الأمة، ضمن وسائل أخرى، سيأتى وقتها لاحقاً.
رئيس تحرير بوابة الجمهورية أونلاين
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.