رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في مثل هذا اليوم.. وفاة محمد علي مريضًا بالجنون

محمد علي باشا
محمد علي باشا

يروي أحد المماليك المكلف بحراسة غرفة محمد علي باشا، والي مصر وحاكمها "1805-1849"، أنه كان يتخيل نفسه في أيامه الأخيرة وهو على رأس جيشه، وأحيانا وهو يدحر جنود القيصر عند أسوار القسطنطينية، وأحيانا أخرى وهو يقوم بإجلاس لويس على العرش.

ينقل هذه الرواية نوبار باشا في مذكراته، وتسجل المذكرات جانبا إنسانيا من أيام محمد علي الأخيرة وقبل وفاته في مثل هذا اليوم 2 أغسطس 1849، ويرويها نوبار كشاهد، حيث كان الوزير المقرب من محمد علي باشا ومن ابنه إبراهيم باشا.

داهمت الأمراض محمد علي في سنواته الأخيرة، وكان أخطرها مرض الجنون، وبلغ ذروته في الفترة التي تلت وفاة ابنه إبراهيم 25 نوفمبر 1848.

يقول نوبار باشا: بعد وفاة إبراهيم كان أبوه كلما أفاق من غفلته الذهنية المستمرة طاف شوارع القاهرة في حراسة مماليكه، وسط جموع الناس التي كانت تنظر إليه باحترام، ويرون فيه أحد المجاذيب.

ويمكن فهم دراما علاقة الأب بالابن من تعليق محمد علي لوفاة إبراهيم، فحسب نوبار باشا عندما أخبروه بوفاة ابنه رد "كنت أعرف لقد حبسني، كان قاسيا معي، كما كان مع الجميع، لفد عاقبه الله وأماته، لكني أجد نفسي لكوني أباه من الواجب علي أن أترحم عليه".

ويؤكد نوبار باشا أن محمد علي عاش بعد هذه الكلمات لعدة أشهر تطارده دون هوادة فكرة أنه ما زال محبوسا، وبالطبع فإنه يتخيل أن إبراهيم هو الذي يحبسه.

وفي موقف آخر مع حفيده عباس، قبل سفره إلى القسطنطينية للحصول على فرمان ولايته، يروي نوبار: كنت في سراي شبرا يوم 28 نوفمبر حين أتاه حفيده عباس ليقبل يده قبل سفره، فقال له الجد لقد لعنت إبراهيم لأنه حبسني، ولذا قبض الله روحه، فلا تتصرف نحوي مثله، إذا كنت تريد ألا ألعنك أنت أيضا، فطمأنه عباس وقبل يده مرة أخرى قائلا "أنت سيدنا وستظل كذلك دائما".

يقول الكاتب الفرنسي جيلبرت سينويه، في كتابه "الفرعون الأخير"، كان محمد علي يموت في قصره برأس التين وكان وضعه بلغ حدودا لا يمكن تحملها، نتيجة التقرحات التي أصيب بها، وأضحى بالكاد يتمكن من أن ينام ساعة أو اثنتين في اليوم الواحد.

بعد أن طرق الموت بابه في رأس التين بالإسكندرية نقل جثمانه إلى القاهرة، وفي 4 أغسطس وضع نعشه في مسجد القلعة الكبير، حيث حدد هو قبره، وذلك دون أي طلقة مدفعية، أو موكب أو تشريفات عسكرية، وكما يقول سينويه "كانت تلك إرادة عباس"، غير أن نوبار باشا يقول كانت مشاعر الحزن عميقة ومن القلب، حيث اصطحب سكان القاهرة جميعا موكبه الجنائزي المهيب إلى المسجد، وذلك كما ذكر سعيد الشحات في كتابه "ذات يوم.. يوميات ألف عام وأكثر".