فكر القائد يسبق عربدة البلطجى
لم تأخذ نشوة الإنجاز، بالرئيس عبدالفتاح السيسى بعيدًا، محلقةً نحو السماء، وهو يتابع، يومًا بعد آخر، افتتاح جانب من مشروعاته القومية الكبرى، التى أراد بها أن تنتقل مصر إلى مكانة عالية فى الاقتصادات العالمية، بل إنه كثيرًا ما كان يلتفت حوله، محدقًا فيمن كانوا سواعد البناء فى هذه المشروعات الكبرى، فأنجزوا ما يُمكن التأريخ له، على أنه مخالف لكل القواعد المتعارف عليها، فى حسابات زمن الإنجاز، متبصرًا فى الإنسان المصرى الذى وقف إلى جانبه، يواجه التحديات، من أجل إتمام المنجزات الجبارة.
تساءل الرئيس عما ينقص هذا الإنسان، حتى يصبح مواطنًا كريمًا صحيحًا مُعافًا.. فأدرك أن العقل السليم فى الجسم السليم، وبدأ ما يُصلح هذا الجسد ويحميه من غائلة فيروسات الكبد الوبائية، بالمشروع القومى للعلاج من فيروس سى.. ثم ينظر لأولئك الذين يعملون أعمالًا حرة ومؤقتة وموسمية، وكيف هى حياتهم دون تأمين يحفظ لهم الحق فى الحياة الكريمة إذا ما عنَّ المرض وتكالبت عليهم صروف العجز أو الشيخوخة، وطلب من رئيس وزرائه ضرورة البحث عما يمكن أن يكفل للمواطن الحياة الآدمية، فى صحته ومرضه، فى فرجه وعوزه.. ولم تلبث المطالبة طويلًا، حتى راحت، بمتابعة دءوبة منه، شهدت اجتماعات له بأهل الاختصاص، تأخذ طريقها نحو التنفيذ، حتى بدأت تلوح بشائر مشروع وثيقة (أمان المصريين).
إن الرجل الذى يواجه تحديات المحافظة على كيان الدولة المصرية، ضد الإرهاب والفساد، ومؤامرات الداخل والخارج، ويعمل ليل نهار، على إعادة بناء هذه الدولة، من خلال مشروعات قومية عملاقة، تضعها حيث يليق بها المُقام، آمن بأن الإنسان المصرى هو عماد هذه الدولة، وأنه وسيلة التنمية، كما أنه هدفها، وإذا لم يكن هذا الإنسان معافى فى بدنه، مطمئنًا فى سربه، فلا خير فى الدولة التى ينتمى إليها، إن لم تجعله فى حدقات عيونها.. ولذا، ومن بين غيوم التحديات ودخان المؤامرات، نفذ إلى الإنسان المصرى، باحثًا عما يحفظه ويصون كرامته، وعما يجعله مطمئنًا فى بلده، من الإرهاب الذى استوحش فى غفلة من الزمان، ومن الفساد الذى بلغ كل مبلغ.. يحميه مما يُحاك له من مؤامرات، وما يحيط به من تحديات، حتى ولو تقوّل القائلون بكل نقيصة، فالأيام كفيلة بأن تُذهِب خبث الكلام، وينجلى بريق الذهب، فى كل ما ذهب إليه الرئيس، حتى تلك الجملة التى خرجت منه، مرصعة باللؤلؤ، وحسبها البعض نوعًا من (الضحك على دقون الناس).. قالها الرئيس وهو يعنيها (إنتو مش عارفين إنكم نور عنينا).. فنور العيون هو ما يُبصر به الإنسان ما أمامه، ولم يكن للرئيس أن ينظر للدنيا من حوله، ويتحدى كل طامع فى بلده، لولا هذا الشعب الذى هو نور العيون، لكل مخلص لبلاده.. وكان الرئيس أول المخلصين لهذا البلد، وإن لم ينصفه البعض، فالتاريخ بينه وبينهم، وسيعلم الذين ظلموا أى مُنقلب ينقلبون.
نعم.. أبصر الرئيس مؤامرة قطر على محيطها الخليجى وخروجها على الإجماع العربى، وارتضت أن تضع يدها فى يد من تآمروا على هذه الأمة، من الفرس والأتراك، وراحت دون أن يطرف لها جفن، تنضم إلى صف من يريد أن يعيد أيام الخلافة العثمانية، ويعيد سيرة السلطان عبدالحميد فى المشرق العربى.. انضمت إلى أردوغان، بلطجى شرق المتوسط، الذى يريد أن يجعل منه ساحة للخلافات السياسية، وللمعارك العسكرية ــ إن أمكنه ذلك ــ بما أطلقه وزير خارجيته عن رفض بلاده اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص، ثم بتحرش قطع قواته البحرية بسفينة شركة إينى الإيطالية، المسئولة عن البحث والتنقيب واستكشاف الغاز فى المياه الاقتصادية القبرصية، جنبًا إلى جنب، مع ما تفعله إسرائيل فى المنطقة التاسعة من المياه الاقتصادية اللبنانية فى المتوسط، علهما ينجحان فى إعاقة البحث عن الغاز والبترول فى هذه المنطقة، من قِبل مصر وقبرص واليونان، وتعطيل مشروع خط أنابيب الغاز، الواصل من هذه الدول الثلاث إلى جنوب أوروبا، لأنهما يعلمان جيدًا، أنه بحلول عام ٢٠٢٠، ستخرج تركيا وإسرائيل من منظومة تصدير الغاز إلى أوروبا، لتتسيد هذه الدول الثلاث، بحقولها الواعدة، وعلى رأسها مصر، تصديره إلى جنوب أوروبا، بينما تتولى روسيا مد الشمال الأوروبى بما يلزمه من غاز.. فلماذا تنعم مصر بهذا الخير؟.. ولماذا تكون لها هذه القوة الاقتصادية الطاغية؟.
لقد وصف الرئيس الأمريكى الأسبق (أيزنهاور)، منطقة الشرق الأوسط، منتصف القرن الماضى، بأنها مثل الزرافة ورأسها مصر، ومن يتحكم فى الرأس، يتحكم فى المنطقة بأسرها.. وهى وإن كانت (فجر الضمير)، كما قال عنها جيمس برستيد، و(قلب العالم)، كما وصفها الإسكندر الأكبر، و(من يتحكم فى مصر يتحكم فى العالم) كما قال نابليون بونابرت، فإن المؤامرات لا تنفك تُحاك ضدها، ويُغير عليها من أراد بها سوءًا فى كل العصور، لكنها تبقى دومًا مقبرة للغزاة.. ولكنهم لايزالون يحاولون، لأنهم يعرفون قدر قوتها، ومعنى أن تمتلك إرادتها وتنمو ثرواتها.. لكن مصر، كما قال الراحل، اللواء عمر سليمان، لزميلى وأخى الأكبر مقامًا، الأستاذ محمد على إبراهيم، يومًا إن مصر (لا يخدعها هذا السيرك.. مصر تعرف جيدًا ألعاب الحواة وتلتقط الثعابين وتروض النمور).. (أريدك، فى كل الأزمات أن تستكمل «الضفيرة»، فليست هناك أزمة واحدة.. اربط الأزمات ببعضها، تكتمل الضفيرة)، ونرى بعدها الصورة واضحة والمؤامرة جلية. فلم تكد الفوضى التى خلفها ما سموه (الربيع العربى) تضع أوزارها، وتبدأ المنطقة استعادة زمام أمرها، حتى بدأ بلطجى المتوسط (أردوغان) سعيه لخلق فوضى جديدة فى المنطقة، مستخدمًا البحث عن اكتشافات الغاز فى المتوسط ذريعة للتصعيد وخلق نزاع داخل حقول الغاز هناك، وأمريكا تعلم بما يسعى إليه أردوغان، ولن تتدخل فى أزمة الصراع الناشئ، وهى التى تلقت الصفعة العثمانية للقوات الأمريكية، بتحذير حاكم أنقرة واشنطن من استهداف قواتها فى منبج، لكنه (الصديق) الذى يحقق حلمها بالعربدة فى المنطقة، التى خاب أملها فيها من قبل، بل التمست له العذر (نحن ندرك أن لتركيا مخاوف أمنية مشروعة، وسنتحدث مع حليفنا حولها)!!.. وما اتفاق أردوغان مع نظام البشير فى السودان على تبعية جزيرة سواكن، على البحر الأحمر لتركيا، إلا حلقة فى محاولاته الخائبة لتهديد المصالح المصرية، خاصة عند باب المندب، وأهمية ذلك بالنسبة للملاحة فى قناة السويس.. وغير ذلك مما اعتبره البعض يعيد للأذهان وضع الزعيم الألمانى أدولف هتلر عند النصف الثانى من الحرب العالمية الثانية، عندما خاض بنفسه حربًا، رغم عدم خبرته، فخسرها!.
أعود من هذا إلى القول بأننا بإزاء قائد يرى بعيدًا، ويسبق، بفكره، الأيام، وهو ما أثار الجنون التركى، وجدد أحلامهم فى السيطرة على الثروات البترولية، بعد الاتفاق المصرى القبرصى اليونانى بشأن ممر الطاقة إلى أوروبا، عبر المتوسط، تدعمه قوة عسكرية خططت لها مصر باقتدار وتجهزت بها، حتى صارت الأقوى فى ميزان القوى، الذى يميل إلى صالح القاهرة، فيما لو نشب ــ لا قدر الله ــ نزاع عسكرى ترى مصر أنها مضطرة للرد عليه، حفاظًا على حقوقها فى ثروات المتوسط.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.