أقباط مصر أخوالنا.. وأعواننا على أعدائنا
أكدت الدراسات الأمريكية المبكرة، أنه بحلول عام ٢٠٢٠، ستصبح مصر أكبر الدول إنتاجًا للغاز الطبيعى فى المنطقة، من حقولها الجديدة فى البحر المتوسط وشمال الدلتا، وفى الصحراء الغربية، كما أشار إلى ذلك اللواء دكتور سمير فرج، عبر كتاباته، ومن خلال أكثر من برنامج حوارى، ما يؤهلها لأن تصبح أكثر الدول نفوذًا فى المنطقة، اقتصاديًا وعسكريًا، بعد أن أكدت تلك الدراسات، أن مصر تطفو فوق بحيرة من الغاز الطبيعى فى تلك المناطق، وهو ما لم يكن غائبًا عن صانع القرار المصرى، أو غير مستعد له بخطوات استباقية.
فكان أول نشاطات الرئيس عبدالفتاح السيسى، عند تولى رئاسة مصر، أن قام بترسيم الحدود البحرية مع كل من قبرص واليونان وإسرائيل، إضافة إلى إبرامه العديد من اتفاقيات التعاون مع كل من قبرص واليونان، وزيادة القدرة القتالية لقواتنا المسلحة، ورفع كفاءتها مع التركيز على القوات البحرية، بهدف تأمين هذه الثروات البترولية والاستثمارات بها.
وهى نفس الدراسات التى وضعتها الجهات الأمريكية المتخصصة، أمام صانع القرار الأمريكى، لتحديد استراتيجية وسياسة الولايات المتحدة الأمريكية، نحو مناطق الاهتمام والصراع فى العالم، وعلى رأسها مصر.. وبما أن واشنطن وغيرها، لا تريد موتًا تامًا لمصر أو حياة كاملة لها، بل تحاول أن تذهب بها إلى حيث وصفها واضع القرار الأممى رقم ٢٤٢، منذ سنوات، (أن مصر موضوعة فى حمام سباحة، تصل المياه إلى قرابة أنفها، فلا تزيد ارتفاعًا، فتخنقها وتموت، ولا تنحسر عنها فتظهر عضلاتها، فتمنح القوة لمن حولها).. فقد أدخلت واشنطن المنطقة العربية فى دائرة الصراع، ومحاولات التفكيك، وكان يُراد لمصر أن تكون فى مكانة القلب من ذلك الصراع، لولا فضل الله عليها ويقظة أبنائها ووعى قيادتها التى انتشلتها من وهدة السقوط على أيدى من سموا أنفسهم الثوار خلال الخريف العربى، بعد إطلاق كونداليزا رايس مفهوم الفوضى الخلاقة، ومن بعدهم إخوان الشر فى مصر، الذين ما زالوا يكيدون لأرض الكنانة فى الداخل، وتستخدمهم واشنطن سلاحًا تحاول به هدم أركان الدولة، جنبًا إلى جنب مع الدواعش التى لم تتورع عن الإشراف على نقلهم من الرقة فى سوريا إلى سيناء وإلى ليبيا، حتى تهدد، بعنفهم، مصر، من الشرق والغرب، ناهيك عن مؤامرات الجنوب، التى أظهرت وجهها القبيح، فيما ذهبت إليه الخرطوم، بتحريض قطرى، من تسليم جزيرة سواكن على البحر الأحمر إلى تركيا، دون أن يقرأ كل هؤلاء التاريخ.
وعندما لم تفلح واشنطن فى جعل مصر واحدة من بلدان الخريف العربى، راحت تحاول تأليب المجتمع المصرى من داخله، بمحاولتها إثارة الفتنة الطائفية بين أبنائها، مستخدمة أذنابها من أشرار الجماعات المارقة، فى وقت يحرض البيت الأبيض أعضاء الكونجرس على إثارة نفس المسألة فى نقاشاته، ردًا على الموقف الوطنى للأزهر والكنيسة برفض قرار ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس، بعد إعلانها عاصمة لإسرائيل، هذا الموقف المتسق بين مؤسسة الأزهر والكنيسة المصرية حول القدس الذى شهد اتحادًا فى الرؤية، دون أن يحدث تنسيق بين البابا وشيخ الأزهر، وهذا دليل الوحدة الكاملة فى الشعب المصرى، ورفضهما، منفردين، استقبال مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكى، خلال زيارته مصر، فى أعقاب قرار بلاده، والتى أُلغيت تحت وطأة الرفض المصرى للزيارة غير المرغوب فيها.
لذلك، لم يكن غريبًا، ذلك المشهد الإجرامى الذى نقلته مواقع التواصل الاجتماعى، ومن بعدها شاشات الفضائيات، عن ذلك الإرهابى الذى أطلق النار على كنيسة مارمينا بحلوان، فقتل من قتل من الأبرياء، حتى تلك السيدة وابنتها اللتين أشفقتا على سقوطه من فوق دراجته النارية، فذهبتا إليه تعاونانه، رأفة به وخوفًا عليه، كإنسان مُفترض فى أزمة، فلما تبين له عقيدتهما، أطلق عليهما رصاص بندقيته دون وازع من ضمير أو مراعاة لإنسانية قد تجرد منها، بفعل ما تم حشو عقله به عن فقه الجهاد الإجرامى، وما تناوله من حبات مُخدر أذهبت بعض ما تبقى فيه من إحساس آدمى، ومنحته شجاعة وهمية، دفعته إلى التجول الحر حول الكنيسة، وكأنما يريد أن يُقتل على رءوس الأشهاد وأمام الكاميرات، ما يُعد مستندًا له عند من استأجره على ما تشهده مصر زورًا من تقتيل لإخوتنا الأقباط، وما تشهده الكنائس من اعتداءات، وليس هناك مناسبة أفضل من أعياد الميلاد المجيد، حتى يسمع العالم بما جرى وما كان.. لكن هؤلاء أيضًا لم يقرأوا التاريخ.. فالإسلام دخل مصر فى القرن السابع الميلادى، وعاش المسيحيون إلى جانب المسلمين ١٤٠٠ سنة، رحلة طويلة واجهت مشاكل كبيرة وصغيرة، ولكنها لم تفصم عرى الإخوة والمحبة بين أبناء الوطن الواحد، وقد قال البابا تواضروس، خلال أغسطس ٢٠١٣، الذى شهد حرق وتدمير أكثر من ١٠٠ كنيسة، (نتفهم ذلك، ونعتبر أن وطنًا بلا كنائس، أفضل من كنائس بلا وطن).. وهو الذى قال، أى البابا لفيليب برزر، خبير شئون الشرق لسفير الفاتيكان لدى الأمم المتحدة، «إن مصر دولة خاصة، وهى الوحيدة التى زارتها العائلة المقدسة ومكثت فيها ثلاث سنوات ونصف السنة».
وتعتبر أرضًا مقدسة ولها نعمة خاصة، ونعتبر أن كل البلاد فى يد الله، إلا أننا نعتبر مصر فى قلب الله، لأنها تتميز بالإسلام الوسطى المنفتح، والأقباط والكنيسة لهم علاقة طيبة مع المسلمين، وأن مصر لم تعرف التيار المتشدد والغريب على الشعب المصرى إلا منذ ٤٠ سنة.. لقد شرفت مصر وشعبها بالوصية النبوية الشريفة التى أوصى بها الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو على فراش المرض (إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا)، وقال (الله الله فى قبط مصر، فإنكم ستظهرون عليهم ويكونون لكم عدة وأعوانًا فى سبيل الله)، وقال عبدالله بن عمرو بن العاص لأهل قريش (قبط مصر هم أخوالكم، وهم أعوانكم على عدوكم، وأعوانكم على دينكم)، وكان هذا أول دستور يحكم مصر منذ بداية الفتح الإسلامى، أقباطٌ أخوال ومسلمون أعمام، فى أسرة واحدة، متعاونون فى أمور الدنيا، متساندون فى شئون الدين، لأن الدين واحد والشرائع شتى، والإيمان بالرسالات السماوية لا يفرق بين كتبها ورسلها، وأنبياء الله أجمعين.. وكان التشريف الأعظم لمصر، بذكر الله لها فى أربعة مواضع صريحة فى القرآن، وهو تكريم لم تصل إليه أى دولة فى العالم، وفيها خزائن الأرض، ولم يذكر الله قصة نهر فى العالم مثل نهر النيل.. فهل بعد ذلك نخشى على مصر من أعدائها.. لا، فالله خيرٌ حافظًا لها، وهو أرحم الراحمين.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.