حافة الكوثر.. رواية جامدة
قاعد فى المترو، فى إيدى رواية «حافة الكوثر» لعلى عطا، كنت خلصتها، لكن ماكانش ينفع أشيلها من الشنطة قبل ما اكتب عنها. كنت فاتح أول صفحة فيها وعينى متثبتة على أول سطر: «يا طاهر؛ أنا سعيد باشتراكك فى هذه اللعبة». قريت الجملة أكتر من مرة وانا بقول فى بالى عن صاحب الرواية: «يا ابن اللذينا يا لعيب». وبعدين فكرت اكتب مقال يكون مدخله إن على عطا بيلعب معانا، وتخيلت إنى ممكن أكتب فيه الجملة دى: «إذن، على عطا يعلنها من البداية، الرواية بالنسبة له مثل لعُبة، من حقه إدارتها كيفما يشاء، لكن من واجبه أن يُمتِّع راكبيها».
كنت بافكر فى أن على عطا، معروف بكونه شاعرًا، وأن آخر ديوان له «تمارين لاصطياد فريسة»، قلت فى بالى: «يكونش كان بيتمرن بالشعر عشان يصطاد الرواية الفذة دى»، طب أكتبها ازاى الجملة دى: لم يكن عطا يكتب الشعر إلا باعتباره تمارين لاصطياد فريسته الكبرى «حافة الكوثر».
فيه روايات اتكتب لها الخلود، أصحابها كتبوها وروحهم بتحلق فى عوالم تخصهم، كتبوها وكأنهم ماكتبوش قبلها ولا هيكتبوا بعدها، زى «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح، و«فساد الأمكنة» لصبرى موسى، و«الأشياء تتداعى» للنيجيرى شينوا أتشيبى.. والقايمة فيها كتير بالنسبة لى، وضِفت لها رواية «حافة الكوثر»، والنوع ده من الروايات مغرى بالكتابة عنه.
يمكن عشان كده كنت قاعد سرحان بافكر اكتب عنها من أى زاوية، والمترو كان فتح أبوابه فى محطة «الشهدا» ودخلت ست شايلة طفل، فقمت لها، ووقفت انا جنب شاب ممكن يكون فى أوائل العشرينات، فوجئت به بيسألنى بأدب: «ممكن أعرف عنوانها؟» فقرَّبت غلافها منه، فرجع سألنى: «بتحكى فى إيه؟».
السؤال كان مباغت، واحترت أجاوبه بإيه، فقلت له: «بتحكى عن شخص دخل مستشفى للأمراض النفسية اسمها الكوثر، عشان يتعالج من الاكتئاب، و...».
وبعدين ماعرفتش أقول إيه ولا إيه فما قولتش حاجة، والشاب وكأنه بيرفع عنى الحرج، طلب منى إنه يقرا ضهر الغلاف، فقربته منه برضو من غير ما اديله الرواية، وقريناه مع بعض: «هل يمكن يا ألله، أن يصبح الكوثرُ وطنًا بديلا لناسِه الوافدين إليه رغمًا عنهم من كل صوب وحدب؟.. هو بات كذلك بالفعل، ولا بديل له إلا شوارعُ لا ترحم ساكنيها.
الكوثرُ، تصلُ إليه نسماتُ النيل، يا طاهر، وتؤنسُ أهلَه عصافيرُ تسكنُ فوق شجرة توتٍ، وقططٌ تتوالد فى الفناء الضيق، ولا يمكن أن ترى أيًًا منها فى محيط غرف أهل المكان من البشر الذين ينامون فى أول الليل أمام شاشة التليفزيون، بتأثير عقاقير، مختلفة الألوان والأحجام، ويستيقظون منهكين مع أول ضوء، ليتناولوا شايًا بحليب مع سجائر متتالية، قبل الإفطار المقترن بحصة جديدة من العقاقير».
الشاب قال لى: شكلها جامدة. فقلت له: آه جامدة.