هي البلد دي عاملة فينا إيه بالظبط؟
لا يتوقف المصريون عن الشكوى، لا يفارقهم الغضب من أى وكل شىء، يلعنون الحكومة كل صباح، ويعلنون أنهم لا يطيقون العيش فيها، يتحدثون كثيرًا عن حلمهم فى أن يرحلوا، تسمعهم فتشعر بهم كارهين لوطنهم ساخطين عليه، ولأنك لا تفهمهم يمكن أن تعتقد أنهم يتمنون لها الشر والضرر.
أنت واهم تمامًا، فهذا بلد يعرف جيدًا كيف يأسر أبناءه، يحبونه بلا سبب ولا منطق ولا عقل ولا مبرر، والأهم من ذلك بلا انتظار لعائد أو مكافأة.
تجدهم يتركونه خلفهم، يعملون فى بلاد الله المختلفة، يحققون أنفسهم، ينجحون بما لا يتصور أحد، تعتقد أنهم نسوا موطن مولدهم، لكن فى اللحظة المناسبة تجد عيون قلوبهم متوجهة إليه، وعندما يعودون ولو فى زيارات عابرة تجد فرحتهم بمصافحة وجوه الناس والشوارع بلا حدود.
ستقول إن هؤلاء حققوا أنفسهم، يعودون إلى مصر طلبًا للاسترخاء والإحساس بالنجاح الذى حققوه، فهم يَرَوْن انبهارًا بما أنجزوه فى عيون الشباب، لكن الذين يعيشون فى مصر تحاصرهم الأزمات من كل جانب، ولذلك لن تجد صدى لفرحتهم ببلدهم وانتمائهم له.
سأقول لك: هل تابعت المصريين وهم يعبرون عن فرحتهم بانتصار المنتخب على بوركينا فاسو؟، فى الدقائق التى سبقت الحسم، عبر المصريون عن قلقهم وتوترهم ورغبتهم فى أن تفوز مصر، أن تحقق إنجازًا حتى لو كان رياضيًا، لا يحتاجون إلى الفرحة من أجل أنفسهم، يريدون للبلد كله أن يفرح.
مصر لدينا معنى، يمكن أن تعتبره غامضًا ملتبسًا محيرًا، لا تعرف حدوده ولا ملامحه، وربما لا تهتم بذلك على الإطلاق، لكنك تعيش معه، يمكن أن تغضب منها، تضيق بالعيش فيها، لكن عندما تتعرض للخطر، تقف خلفها بكل ما تملك وما تستطيع.
«دى مصر يا عم»، كلمة ليست عابرة نقولها دون حسابات، لا نهتم بالكلمات الكبيرة، ولا المعانى الفلسفية المعقدة، نعرف فقط أنها تستحق كل شىء، حتى لو جنت وتجنت، لا نفارقها ولا تفارقنا.
وقد تسأل: هى البلد دى عاملة فينا إيه بالظبط؟
لن تجد إجابة واضحة أو محددة، لكنك فى النهاية لن تتوقف عن حبها والغناء لها، سرها أننا نكرهها ونحبها، نلعنها ونطلب ودها، نخاف منها وعليها، لكننا فى النهاية لا نستطيع أن نعطيها ضهرنا.. لأنها ببساطة هى ضهرنا وسندنا.