الحب فى زمن الإنترنت
لا يمكن أن يغيب الحب عن ساحة الشباب.. من يقرأ كتابات الشباب فتيانـًا وفتيات على مواقع التواصل الاجتماعى ومن يتعامل معهم وجهًا لوجه يدرك أن كلهم تقريبًا عشاق ومغرمين، لكن معظم قصص الحب التى عاشوها تنتهى بالفشل والإحباط. يتباكون.. يتألمون.. تنبثق فى كلماتهم حِكم الأسى والتعزى والشيخوخة أحيانًا. الشابات يتهمن الشبان بالخداع والهروب بعد أن يوقعوهن فى غرامهم.. والشبان يتهمون الفتيات بالبرود العاطفى وعدم الإحساس بهم بل هجرهم المفاجئ غير المبرر. قليلة هى قصص الحب الناجحة، ورغم نجاحها فهى على كف عفريت عدم الإحساس بالأمان، وإذا انتهت بالزواج بعد شهور قليلة تنتهى العلاقة ويبدأ صراع قد يستمر طول الحياة وفى أغلب الحالات يقع الطلاق والانفصال المحتوم.
حالة مأساوية وواقع يتضافر مع عوامل أخرى كثيرة منها البطالة أو ممارسة أعمال متدنية القيمة والأجر، ثم نظرة المجتمع للشباب على أنه طائش وأحمق وغير ناضج، وجاءت فورة 25 يناير لتغير إلى حدٍ ما هذه الصورة لشهور قليلة. لماذا واقع الحب فى مصر بكل هذا البؤس؟ والإجابة المنطقية هى الجهل بمفهوم وكُنة الحب وروابطه، ثم جهل الفتى والفتاة بأن الحُب هو عناصر الكيمياء التى لا تقدر أكبر المعامل الكيميائية فى العالم أن تصنع مادته ومكوناته السحرية التى لم تُكتشف حتى يومنا هذا؛ فكل شىء فى الحياة مبنى على العلم والتعلم والاكتساب بالخبرات الإنسانية.. إلا هذا المجهول الذى يهبط على قلوبنا ومشاعرنا ولانستطيع أن نملك زمامه ونسوسُه كما نريد ونهوى. فى الأجيال القديمة كان الحب يأتى بالعِشرة بعد الزواج بتدبير الأهل نتيجة تحلى الشباب فى ذاك الوقت بالإحساس بالمسئولية والكثير من القيم الإنسانية الرفيعة التى كانت تُتَوارث تلقائيًا، الآن اختفت المسئولية وتلك القيم، وأصبح الشاب والشابة يتعاملان فى البداية بعيدًا عن الأهل الذين يمثلون عائقًا فى وجه قصص الحب بكثرة مطالبهم المادية المرهقة إذا ما وصلت القصة إلى أعتاب الزواج، فتتكسر أمواج الحب على شواطىء ضيق ذات اليد أو العنجهية بارتفاع سقف المطالب إلى ما فوق قدرة القلب والجيب والعاطفة، لتذهب قصص الحب الحقيقية إلى زوايا النسيان والذكرى.
ما الحل إذن؟ لابد أن نبدأ فى إضافة مادة علمية متخصصة إلى مناهج التعليم تشرح كيفية بناء الأسرة، وتكون وظيفة تلك المادة تدريس معلومات لا يشوبها الخجل والتورية عن طبيعة ومجرى العلاقة بين الفتى والفتاة، حيث تبدأ العلاقات بالتعارف الممنهج الذى يخضع لإشراف السادة التربيين، وليبدأ الطرفان باختبار كل منهما الآخر، ويحاولان اكتشاف أخلاق وسلوك كل طرف منهما فى متسع من الوقت بعقلٍ وموضوعية، ولنترك للكيمياء السحرية أن تقول كلمتها فى الارتباط الأبدى من عدمه، فإذا لم يطمئن أحدهما بعمق إلى الآخر تظل معايير الصداقة الحميمية بلا ضغائن
هى السائدة، وإذا اطمأن أحدهما إلى الآخر تبدأ مرحلة إطلاق المجال للعواطف التى قد تم التمهيد لها، بمعنى أن العلاقة لابد أن تخضع للتجربة الرومانسية طوال الوقت ؛ فكلا الطرفين يعرف أنه قد ينهيها فى أى لحظة دونما مأساة أو اتهامات متبادلة، بل فى جو ودى يحفظ كل التواصل الإنسانى الجميل. فى العلاقات الحالية - كما يعيشها شباب اليوم - قد يبدأ الحب قبل أن تبدأ العلاقة والنهاية تشبه نهاية المسرحيات التراجيدية: مأساة وإحباط واتهامات ؛ فالحب الحقيقى إذا بدأ فى مناخ صحى جيد يولد الشاب والشابة من جديد فى مهد هذا الحب الذى لا ينتهى إلا بالموت.
الحديث ذو شجون لكن المقام لا يسمح بأكثر من هذا، فقط ينبغى التأكيد على أن العلاقة لابد أن تؤخذ من بدايتها كتجربة تقبل الانتهاء أو الاستمرار. فالحب قرار يأتى من أعماق الروح ولا يخضع لمعايير الجنس أو العقيدة أو اللون أوالثقافة أو المستوى الاجتماعى، فهو قبسٌ من روح الله يودعها كجذوة تتوهج فى ثنايا القلب والروح والوجدان فتنضح عطرًا يحيط بالحبيب والمحبوب فى آنٍ معًا، ثم تأتى وقائع التجربة الحياتية والاختبار لنتحكم فى بدايته ثم يتحكم فينا إلى النهاية. وما الزواج إلا روعة الوصول إلى أوج السعادة للحب ؛ ليكون نواة لشجرة أسرة قوية وارفة الظلال؛ طالما كان حجر الأساس فيها متيناً يقوم على أسمى عاطفة فى الوجود.. فالحُب فى الأرض بعض ٌ من تخيلنا.. لو لم نجـــدهُ عليهـــــا.. لاخترعناه!.