دورنا فى تربيـة النــــشء
يبدو أننا أصبحنا فى حاجة دائمة إلى إنعاش ذاكرة المجتمع المصرى ببديهيات قد تبدو فى نظر البعض ساذجة، إلا أنها مهمة حتى لاتضيع أو تتشابك فى أيدينا خيوط نسيج ثوب المجتمع، فنعود إلى التذكير بأن النبت الطيب حين تُغرس بذوره فى الأرض لابد بالضرورة أن تطرح الثمار الجيدة. والأبناء هم البذور التى نحرص على نقائها؛ لأنهم ثمار وأشجار الأمل التى سيستظل بها المجتمع مستقبلاً.
فهم فلذات أكبادنا التى تسير على الأرض، وهم الأمانة الكبرى فى أعناق الآباء والأمهات، حيث يُسألون عن رعايتهم إن أحسنوا أو أساءوا، والأمانات لها قدسيتها واحترامها فى المعاملات بين البشر، فمابالنا بهذه الأمانة التى أودعها الله فى يد مخلوقاته. فابن اليوم هو «أب» المستقبل وصانعه، وبنت اليوم هى «أم» المستقبل وصانعة الرجال، وأفراد الأسرة هم أول عالم اجتماعى ومرآة المجتمع الذى سيواجهه الطفل عندما يمتلك زمام أموره ويبدأ دورة الحياة من جديد، فالتربية علمٌ وفن وهى أهم المهام المنوطة بالوالدين برغم مايحيط بها من صعوبات ومشاكل إلا أنها تتحول إلى متعة لاحدود لها لشعورهما بأن التربية السوية الرشيدة على المبادئ السامية والأخلاق الحميدة ستجعهلم ينطلقون كالسهم فى دروب الحياة بثقة وثبات وصلابة.
فالإنسان فى مرحلة الطفولة والشباب يتأثر بشكل مباشر بالأجواء المحيطة به نفسيًا وعقائديًا، فالانطباعات الأولى تدوم لتصاحبه فى رحلة حياته، فالإنسان يخرج إلى الحياة كالصفحة البيضاء الخالية من أى اتجاهات أو تشكيل للذات، ولكنه فى الوقت نفسه يحمل الاستعداد الفطرى لتلقى العلوم والمعارف لتكوين شخصيته التى ستصاحبه فى معاملاته مع أفراد المجتمع ووفق الخطوط السلوكية التى تم تدريبه عليها داخل محيط الأسرة بكل أفرادها، ومن هنا كانت دعوتنا للاهتمام الشديد بالأسرة، وذلك يتأتى بتجنيد كل عناصر التلقى المعرفى لخدمة الأهداف الحيوية للمجتمع والدولة، هذه العناصر التى تتمثل فى التربية والتعليم والإعلام المسموع والمرئى وانتقاء الموضوعات التى تعالجها الأفلام السينمائية والمسرحية والدراما التليفزيونية بل الأغانى أيضاً، فكل هذا يعمل على تشكيل وجدان الأسرة وتنعكس على الأجيال من الأبناء يستوى فى هذا البنين والبنات.
ولعلى كأستاذ للدراسات اللغوية أستزيدكم إيضاحًا لنقترب معاً من مفهوم لفظة «التربية» بمدلولاتها اللغوية، فالتربية لغة مشتقة من أصول ثلاثة الأصل الأول: ربا يربو، بمعنى زاد ونما، الأصل الثاني: رَبّ يَرُب بمعنى أصلحه وتولّى أمره، وساسهُ وقام عليه يقال: ربّ الشيء إذا أصلحه، وربّيت القوم أي: سُستُهم، الأصل الثالث: رَبى يَربىَ، بمعنى نشأ وترعرع؛ ليكونوا زينة للآباء فى الدنيا وامتدادًا لعطائهم وسيرتهم التى وضعوا بذورها النقية المتمثلة فى القيم والأخلاق؛ لتؤتى ثمارها طيبة للمجتمع وللبشر جميعًا، فالتربية هى الزيادة والنماء والإصلاح النفسى والعقائدى والسياسى الذى نتمناه خيرًا لكل الأبناء؛ لأنهم من سيتولون الإمساك بزمام ذراع الدفــَّـة لتوجيه سفينة الوطن إلى المستقبل المأمول والمنشود بكل الخير والرفعة.
إذن فلنعمل منذ اللحظة على الوصول إلى الطريق الأمثل لأصول التربية السليمة بتحسين كل العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فى الوجدان ابتداء من مرحلة الطفولة حتى مرحلة الشباب، فالعوامل الداخلية التى يتعامل معها منذ لحظة تفتح عينيه على الحياة ومنذ انعكاس صفحة الضوء الأولى على جبينه هى الأسرة وما تلتزم به من عقيدة دينية تؤمن إيمانًا عميقًا بمبادئها وحسب ماتلقنه من مفاهيمها الإيمانية السمحة، لنكون بهذا قد وضعنا حجر الزاوية فى بناء الشخصية المـُـثـلى التى تتمتع بالقدرة الفائقة على شجاعة اتخاذ القرار ومواجهة الأزمات؛ ليجىء الدور على المؤسسات الإعلامية والمناهج التعليمية التى لابد أن تضطلع بمهام استكمال كل جوانب التربية بالمفاهيم الحديثة، هذه المفاهيم التى أقرت بضرورة الإلمام التام بالخطوات الأولى اللازمة تحو البدء فى تكوين «أسرة» جديدة، لذا ينبغى إعداد الوالدين مسبقاً لهذه المهمة؛ وذلك بإلزام كل المقبلين على الزواج بحضور دورات تدريبية خاصة تنظمها و تشرف عليها وزارة الشئون الاجتماعية يحاضرهم أساتذة متخصصون فى علم الاجتماع والتربية وعلم النفس وغيرها من التخصصات التى من شأنها أن تسهم فى تهيئة آباء وأمهات المستقبل على استقبال وليدهم وهم محصنون
بالمعارف اللازمة لأصول التنشئة الصحيحة مثلما يقومون بالخضوع للفحوصات الطبية الواجبة للطرفين لتحديد مدى الصلاحيات الصحية والجينية والعوامل الوراثية؛ حتى نضمن أن تنضم إلى المجتمع أسرة مثالية إيجابية لاتنعكس آثارها السلبية المدمرة على المجتمع فى مستقبل الأيام، لقد آن الأوان لنأخذ بأهداب وأصول التربية التى تتفق وعاداتنا بالمنهج العلمى السليم؛ دون الانزلاق إلى تطبيق أو محاولة تطبيق وسائل تقليدية أو مستوردة من مجتمعات أخرى لا تتلاءم وطبيعتنا التى جُبلنا عليها فى مجتمعنا المصرى، لينعم الجيل الجديد بمفاهيم الحرية الحقيقية التى لاتمس حرية الآخرين ودون تعال يفسد الروابط والعلاقات الإنسانية فى بنيان المجتمع.
هلاً بدأنا بممارسة دورنا التربوى تجاه هذه السنابل الخضراء من النشء دونما تقصير قبل فوات الآوان؟ فبصلاحهم يصلح المجتمع كله ويقوى عضده، ماأحوجنا إلى هذا الآن.