الإفتاء في نشرة "إرهابيون": "الغرب" أكثر انضمامًا لـ"داعش"
أطلق مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية، التابع لدار الإفتاء المصرية العدد الرابع من نشرة "إرهابيون"، الذي يقدم من خلالها قراءة تحليلية في فكر الجماعات والتنظيمات الإرهابية، الذي جاء تحت عنوان "تصحيح الأفكار العلاج الناجع لمحاربة الإرهاب".
حيث تناولت "إرهابيون" مجموعة من المحاور، جاء في محورها الأول تأكيدها أن داعش تضم بين صفوفها مقاتلين لأكثر من 80 دولة من مختلف دول العالم، من أوروبا وأفريقيا وآسيا، حلَّت أوروبا في المركز الأول، تليها أفريقيا، ثم آسيا.
وأرجع المرصد وجود أوروبا في المركز الأول إلى مجموعة من العوامل: أولها عنصر اللغة التي تقف عائقًا أمام وصول الفكر الوسطي المعتدل إلى أبناء تلك الدول، الذي بغيابه يعطي الفرصة لأصحاب الفكر المعوج لتسميم أفكار مسلمي الغرب، التي تنقطع صلتهم بمنابع الإسلام الصحيح، لوجود عوائق الزمان والمكان واللغة، مما يجعلهم صيدًا ثمينًا لجماعات الإرهاب الأسود.
وثانيها الحاجة إلى دراسة العقلية الإسلامية بالغرب وحاجياتها، من خلال إنشاء بعض المراكز الإسلامية هناك؛ ليتسنى لها التعامل مع الأفكار والمستجدات الحديثة، وهذا هو ما انتبهت إليه دار الإفتاء المصرية واقترحته في المؤتمر العالمي للإفتاء الذي عقدته مؤخرًا، تحت مسمى "مراكز فقه الأقليات"، وذلك ليقينها بضرورة وجود مثل هذه المراكز في الغرب، لبيان الصورة الصحيحة للإسلام، وغلق منابع التطرف التي لن ينقطع إمدادها إلا بالإصلاح الفكري لهذه المجتمعات.
وثالث هذه الأمور، الذي يراه المرصد أنه أمر مهم لا يقل في الأهمية عن سابقيه، هو اضطهاد المسلمين في هذه المجتمعات أو التمييز بينهم على أساس الدين، مما يدفع البعض منهم إلى اعتناق العنف، كوسيلة للحصول على حقوقه المسلوبة، وللتغلب على التمييز الذي يشعر به في تلك المجتمعات.
وأضاف المرصد أنه إذا كانت الدول الكبرى سعت إلى عقد التحالفات من أجل القضاء على تلك التنظيمات المسلحة من الناحية العسكرية، فلا بد عليها من توحيد الجهود العلمية والفكرية لمحاصرة الظاهرة في مهدها، فالعلاج العسكري لن يجدي وحده نفعًا في غياب التوعية الدينية، وبما أن الدول الغربية هي الأكثر عرضة لانضمام أبنائها لتلك التنظيمات للأسباب السابقة، لذا يتوجب عليها دعم إنشاء المراكز الإسلامية بها لتوضيح الصورة الصحيحة للإسلام، والقضاء على ما يسمى التمييز ضد المسلمين بها.
وأوضح المرصد أن فعاليات المؤتمر العالمي للإفتاء الذي عقدته دار الإفتاء مؤخرًا كانت غالبيتها تصب في محاصرة الفكر المتشدد ونشر الوسطية والقضاء على الآراء والفتاوى الشاذة والعمل على تصحيحها، والدعوة إلى إنشاء المراكز العلمية والإفتائية لبيان صحيح الإسلام، وأن كل هذه المقترحات مجتمعة لا يقف تنفيذها على المستوى المحلي بل العالمي أيضًا، وذلك لتأكيدها أن الظاهرة لا تقف عن حدود الدول ولا يقف أثرها السيئ عند دولة دون أخرى، بل توحيد الجهود أمر مهم لمحاصرة الظاهرة.
وفي محور آخر لفتت "إرهابيون" النظر إلى خطورة "ظاهرة الساخطين"، التي لا تقل خطورة عما تناولناه في عدد سابق مما يسمى "المظلومية"؛ حيث تلعب تلك التيارات على هذين المحورين لاجتذاب عناصر جديدة لها، من الأفراد الذين يعانون من إهمال الدول لهم، أو من سوء المعاملات الأمنية وغيرها، مما يجعلهم -مع قلة الوعي- ساخطين وعرضة لحمل السلاح ومعاداة الدولة والانضمام إلى التنظيمات المتطرفة، وهذا ما ظهر جليًّا في الفترة الأخيرة -عقب الثورات العربية- من مبايعة الأفراد والتنظيمات الإرهابية لداعش وغيرها من الكيانات المتطرفة.
وناشدت "إرهابيون" حكومات الدول إلى التنبه لمثل هذه الأمور وتذليلها، وتفويت الفرصة على المتربصين بأمن الأمم والأوطان، فتلك التنظيمات -مع وجود شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من الوسائل الإعلامية- تسوِّق بعض السلوكيات الفردية على أنها أمر عام ومنهج للدول وهذا مغاير تمامًا للحقيقة.
وفي محور ثالث ربطت "إرهابيون" بين دموية داعش وأفكارها وبين دموية التتار وأفكارهم؛ حيث بينت أن صورة القتل والذبح وانتهاك الأعراض واحدة، وأن التهويل الإعلامي والحرب النفسية واحد، حتى هدفهم واحد وإن اختلف الزمان والمكان، فهم يصورون جرائم الذبح والقتل وينشرونها في الإعلام لإحداث الرعب في نفوس الشعوب وللوصول لهدفهم المزعوم مثلما فعل التتار والخوارج في السابق.
وأهاب مرصد دار الإفتاء، بوسائل الإعلام، عدم بث أو نشر بيانات التنظيمات الإرهابية وفيديوهاتها التي تبرز القتل المعلن من طرفها للأبرياء؛ لأن بنشرها لتلك الأخبار أو الفيديوهات تقدم دعمًا لوجستيًّا لتلك التنظيمات الإرهابية، وتساعدها على نشر أفكارها ومبرراتها لقتل الأبرياء، من خلال الإرهاب وبث الرعب في نفوس الجميع.
وأوضح المرصد، أن ما سبق كان أحد توصيات دار الإفتاء المصرية في المؤتمر العالمي للإفتاء، التي دعت فيه وسائل الإعلام كشريك في علاج هذه الظاهرة، وضرورة المشاركة الإيجابية من خلال التوعية بضرر هذه الأفعال.
حيث أوضح المرصد أن ما تقوم به التنظيمات الإرهابية من قتل ممنهج أمام عدسات الكاميرات يمثل استراتيجية لبث الإرهاب والرعب في نفوس الشعوب والدول، وهذه الاستراتيجية تقوم على أمرين مهمين:
أولهما: إرهاب أعدائهم من الشعوب والحكومات والدول، ومن يقاتلون التنظيم في أرض المعركة، وهذا هو ما يعرف بالحرب النفسية، وقد انتهجتها جيوش التتار قديمًا مع المسلمين، من خلال بث الرعب في نفوس المقاتلين.
وهذا يؤكد أن ما تقوم به داعش وكافة التنظيمات الإرهابية ليس ببعيد عما قامت به التتار في السابق من خلال التسويق الإعلامي على أيدي الخونة والمرتزقة من أتباعهم في البلاد، والحديث عن القدرات الهائلة لتلك التنظيمات وقدرتها على هزيمة الجيوش والشعوب في آن واحد.
وأضاف المرصد أن هؤلاء الأتباع يحاولون توسيع الفجوة بين قدرات تلك التنظيمات وإمكانيات الدول، ونشر ذلك من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي مدعمين ذلك بفيديوهات الذبح والقتل والتفجير، فيكون مردود ذلك على الشعوب الإحباط واليأس من القدرة على مواجهة تلك التنظيمات.
والأمر الثاني من استراتيجية تلك التنظيمات هو إرهاب سكان المدن التي تحدث فيها عمليات التنظيمات الإرهابية، وأن أية محاولة للتمرد أو الخروج أو عدم الانصياع لأوامر التنظيم يكون مصيرها القتل والذبح، وبالتالي هم لا ينظرون إلى رضا الشعوب عنهم بقدر سعيهم للحصول على هذا الرضا من خلال الإرهاب والقتل والذبح.
وبيَّن المرصد أن تحقيق الأمن والأمان في أي دولة هو بمثابة عقبة كؤود أمام التيارات الإرهابية على كافة مشاربها؛ إذ إنها ترى في الانفلات الأمني بيئة خصبة لنشر أفكارها، وتنفيذ مخططاتها، وإحداث الفوضى التي تضمن لها التمكين والسيطرة على بعض الأماكن.
وتابع أن الأمر كذلك بالنسبة للتنمية والعمل والبناء فهي لا تختلف عن عنصر الأمن؛ لأنها جميعًا تشكل ما يسمى الكيان الأساسي للدولة، وفي حالة إذا ما تحقق هذا الكيان واستقرت الدولة؛ فإن ذلك يصعِّب عليهم مهمتهم في إحداث الفوضى التي تمثل قُبلة الحياة بالنسبة لهم.
واختتم المرصد نشرته بالتأكيد بأن ما جاء في فعاليات المؤتمر العالمي للإفتاء، يبين أن العنف مبدؤه فكرة، سرعان ما تتحول إلى فعل إجرامي، تغذيه مجموعة من العوامل السالف ذكرها، وعلاجه يكمن في نشر الوعي الديني الصحيح والمنهج الوسطي السليم، وهذا هو ما تمخضت عنه أبحاث المؤتمر وتوصياته، الذي بدوره يحاصر الظاهرة فكريًّا قبل أن تنتشر فتفرز العنف والإرهاب.