التعليم بين الرجعية و التغريب
إن من ضمن المشكلات التي يتعرض لها من يقع على عاتقه تطوير التعليم في عالمنا العربي هو المنهجية التي تحكم الفكر الذي يضع استراتيجية العمل المؤسسي للمنظومة التعليمية و التربوية المزمع تطويرها ، فمن ناحية نجد أن البعض يؤيد توجيه الدفة نحو النموذج الغربي و محاكاته كما هو و مقارنة ما يتم إنجازه بما وصل إليه الغرب ، و من ناحية أخرى يرى البعض أن النموذج الذي يجب أن نحاكيه يجب أن يكون نابع من تاريخنا القديم و من العصور الوسطى حيث الإرث الثقافي للأجداد الذين صنعوا حضارة في الماضي .
و في حقيقة الأمر يظهر هذا الصراع بين وجهتي النظر في جميع المجالات و التخصصات و المؤسسات في مجتمعنا العربي ، مما يجعلنا نعيش في حالة صراع مع أنفسنا طوال الوقت بين فكر تقدمي متطرف يريد النهضة عن طريق محاكاة كل ما يأتي من الغرب و فكر رجعي ظلامي ينتشر في كل المؤسسات نتيجة الجهل و أحادية التفكير و سطحية المنهج .
إن الفكر الرجعي المتطرف غالبا ما يؤدي إلى تخلف المؤسسات و تحويلها إلى أوكار مظلمة تنتشر فيها موبقات الجهل وضيق الأفق و التشدد و الاعتداد بالرأي و العداء مع كل ما هو مخالف أو مختلف ، و محاربة كل ما هو ناجح طالما يبعد عن المنهجية الرجعية الظلامية المتطرفة .
و كذلك أقول إن الفكر التقدمي الذي يسعى للتطوير عن طريق محاكاة النموذج الغربي كما هو لا يقل خطورة و تطرف عن الرجعية الظلامية ، فالتغريبي عندما يحاكي النموذج الغربي و يستنسخ تجاربه كما هي و يسعى لكي يكون كل ما حوله غربي إنما هو في الحقيقة يمسخ الوعي الثقافي العربي و يجعل الشعب مغتربا عن تراثه و بعيدا عن تاريخه و تائها عن تحقيق أهداف أمته .
لقد أوضح النبي صلى الله عليه و سلم و بين لنا المنهجية التنويرية السليمة الصحيحة التي يجب أن نضعها دائما نصب أعيننا ألا و هي المنهجية الوسطية التي تقف في موضع التعارف و الانفتاح على الأخر ، فالله عز وجل جعل الاختلاف سنة الحياة و لو شاء لجعل العالم أمة واحدة و حضارة واحدة و لكن من حكمته سبحانه و تعالى أن نكون مختلفين كي نتعارف و نتألف و تستفيد كل حضارة من الحضارات الأخرى التي تختلف عنها .
لذلك فإن منهجية الوسط يجب أن تحكم التفكير الاستراتيجي الذي يدير المؤسسات ، فلا استنساخ و نقل لكل ما هو غربي ، ولا انغلاق متطرف نحو الماضي ، لذلك أرى أن الرؤية و الرسالة لأي مؤسسة يجب أن تضعها المؤسسة بنفسها و تكون نابعة من الأصول الثقافية و الحضارية للمجتمع أما طريقة تحقيق أهداف هذه الرؤية و الرسالة فيجب أن نستجلب لها خبراء من شتى أنحاء العالم كي نستفيد مما وصل إليه الأخر و نتعلم منه و نطور ما تعلمناه و بهذا تتحقق رؤيتنا و نحافظ على ثقافتنا دون مسخ أو تخلف . عاشت مصر . عاشت أمتنا العربية .