"أنصار الله" تنفرد بالسلطة اليمنية.. و"الحوثي" يغازل الداخل والخارج
باتت جماعة أنصار الله الحوثيين- بعد أقل من يومين من الإعلان الدستوري الذى أصدرته وحيدة- تغرد منفردة خارج سرب المكونات السياسية اليمنية.
وأصبحت "أنصار الله" تستجدي، أيضًا، الشراكة من جانب هذه القوى، وتفتح لها الأبواب للمشاركة فى المؤسسات التى ستدير الدولة فى المرحلة الانتقالية التى حددها الإعلان، وهى التى كانت- قبل أيام قليلة- تشكو من أن القوى لا تريد إشراكها فى العملية السياسية على الرغم من حصولها على امتيازات كثيرة تحت مسمى تنفيذ اتفاقية السلم والشراكة، والتى لم تنفذ أي التزامات عليها فى الاتفاقية.
وجاءت ردود الأحزاب السياسية اليمنية على الإعلان الدستورى المنفرد من جانب الحوثيين رافضة له حتى قوى الحراك الجنوبى، الذى ينادى بانفصال الجنوب ، حيث أكد الحراك أنه لا يعنيه ولا يمكنه التعامل مع الحوثيين.
وكان رد فعل حزب المؤتمر الشعبى العام وحلفائه بزعامة الرئيس السابق على عبد الله صالح هو الأهم فى ردود فعل الأحزاب، إذ كان ينظر له على أنه حليف الحوثيين، وأنه وراء كل الانتصارات التى حققوها من خلال التنسيق بينهما، وأن ما حدث هو انقلاب من جانب الحوثيين على حليفهم القوي بعد أن شعروا أن الأمور قد دانت لهم.
وقد تريث حزب المؤتمر فى إعلان رد فعله على الإعلان الحوثى ، وقال - بعد يوم من الإعلان الدستورى - فى بيان مشترك مع الأحزاب المتحالفة معه "إن الإعلان هو تعد على الشرعية الدستورية ومخالف لكل الاتفاقيات التى وقعها الحوثيون مع القوى السياسية ومنها اتفاق السلم والشراكة"، وأعرب عن أسفه للمسار المنفرد الذى اتخذه أنصار الله والذى كان مفاجئا للجميع بعد الجهود التى بذلت من أجل التوافق وطالبهم بسرعة الجلوس مع المكونات السياسية لاخراج اليمن من أزمته الحالية.
والملاحظ أن حزب "المؤتمر" ترك الباب مفتوحا أمام الحوثيين للعودة إلى المفاوضات مع القوى السياسية، خاصة وأن جمال بن عمر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة قد عاد إلى صنعاء بعد زيارة سريعة للسعودية ودعا إلى استئناف المفاوضات التى كانت تجرى برعايته قبل صدور الإعلان لأن العودة للمفاوضات ستؤدى إلى الرجوع عن الإعلان وتهدئة التوترات مما يسمح بالتوصل إلى اتفاق.
ولكن أنصار الله الذين لم يتراجعوا عن تهديداتهم بفرض رأيهم على القوى اليمنية بما يملكونه من قوة على الأرض ليسوا على استعداد للتخلى عن الامتيازات التى حصلوا عليها من خلال الضغط على الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادى ودخولهم الحياة السياسية كالطرف الأقوى وعلى الأرجح لن يوافقوا على هذا الطلب، أو على التراجع عن الإعلان الذى أعطاهم الدور الوحيد فى إدارة البلد وبذلك فإن القوى السياسية لن تتعاون معهم مما سيزيد من عزلتهم سواء على المستوى الداخلى أو الدولى.
وقد أدانت أحزاب الإصلاح والاشتراكى والناصرى والبعث والرشاد السلفى الإعلان الدستورى ، وأكدوا أنه انقلاب على الشرعية ، فيما طالب حزب الإصلاح "الإخوان المسلمين" أنصار الله بالتراجع عنه فى الوقت الذى رفضت فيه القوى الإقليمية خاصة مجلس التعاون الخليجى الإعلان ، ووصفته بالانقلاب الحوثى على السلطة ، وقالت إنه نسف للعملية السياسية واستخفاف بالجهود الوطنية والإقليمية والدولية التى سعت للحفاظ على أمن اليمن.
وأكدت أنها لن تقبل بهذا الانقلاب الذى يهدد أمن اليمن ومن ثم أمن المنطقة ، وطالبت مجلس الأمن الدولى باتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية مصالحها ووضع حد للانقلاب .. فيما أعرب مجلس الأمن عن قلقه لقطع الحوثيين المفاوضات وإقدامهم على حل البرلمان والسيطرة على المؤسسات الحكومية ، وأعرب عن استعداده لاتخاذ خطوات إضافية إذا لم تستأنف المفاوضات فورا.
وهكذا وحد الإعلان الدستورى موقف أكبر حزبين فى البلاد، المؤتمر - الذى يرأسه الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح - والإصلاح ، وفى هذا السياق صرح قيادى بحزب الإصلاح، بأن صدور موقف موحد من قبل الحزبين تجاه الإعلان خطوة مهمة على طريق استعادة الدولة من الميليشيات ولن تكون هذه الليلة سعيدة لأعداء اليمن بعد توافق الحزبين.
وهكذا وجدت جماعة أنصار الله الحوثيين نفسها وحيدة أمام رفض داخلى وتهديدات خارجية، وجاء خطاب زعيمهم عبد الملك الحوثى أمس خلال الاحتفال بالنصر يغازل الداخل والخارج على السواء.
فقد دعا الأحزاب اليمنية إلى الاشتراك بفاعلية فى المؤسسات التى ستظهر من خلال اللجنة الثورية لإدارة البلد فى المرحلة الانتقالية التى تستمر عامين مؤكدا أن اليمن ملك للجميع وحذر من تعطيل عمل هذه المؤسسات إذا رفضت القوى السياسية الاشتراك فيها.
كما عرض على دول الخليج والغرب أن يكون الشرطى الذى يحارب تنظيم القاعدة فى بلاد اليمن، والذى حققت الجماعة انتصارات فى تصديها للتنظيم مشيرا إلى خطر هذا التنظيم على دول الخليج والأمن الدولي.
ويدرك الحوثى حجم التحديات التى تواجه جماعته سواء فى صنعاء أو باقى المحافظات ولذلك يلجأ الى خطب ود الجيش اليمنى فى كل خطاب ويشيد بحياديته وكان أول قرار للجنة الثورية فى إعادة وزيرى الداخلية والدفاع فى الحكومة المستقيلة إلى منصبيهما لما لهما من تأثير على المؤسستين، وتشكيل اللجنة الأمنية العليا برئاسة وزير الدفاع وكان يرأسها فى السابق رئيس الجمهورية، والتى عقدت اجتماعا فى اليوم التالى للإعلان وجاءت قراراتها من خلال وكالة الأنباء اليمنية التى يسيطر عليها الحوثيون لتؤكد أن القوات المسلحة يقع على عاتقها مسئولية وطنية فى القيام بواجبها فى إطار الوظيفة الدستورية للقوات المسلحة والأمن، وهى تقف إلى جانب الشعب وستظل قوة بيد الشعب تؤدى واجبها بمهنية وحيادية وبولاء لله والوطن والشعب وأوضحت أن الأيام القادمة ستشهد انتشارا أمنيا واسعا فى العاصمة والمحافظات بالتنسيق مع اللجان الشعبية.
وبذلك نأت القوات المسلحة بنفسها عن الصراعات السياسية بين الأحزاب وهو نفس الاتجاه الذى سارت عليه منذ بدء أزمة الحوثيين ودخولهم صنعاء أى أن التعويل على دورها فى حسم الصراع لطرف ضد الآخر ضعيف خاصة فى ضوء الولاءات المتعددة لها وعمليات الهيكلة التى جاءت بعد الثورة لتضعف دور الجيش فى الحياة السياسية.
ويبدو موقف اللواء الصبيحى وزير الدفاع، الذى رضى بالتواجد مع أنصار الله محيرا لليمنيين بسبب محاصرة الحوثيين منزله بعد استقالة الحكومة ولم يسمحوا له بالخروج إلا لحضور حفل إصدار الإعلان الدستورى ، وفى هذا الصدد فسرت صحيفة "الأمناء" المستقلة التى تصدر فى الجنوب هذا الموقف بأن جمال بن عمر زار الصبيحى فى منزله عقب عودته من الرياض وأقنعه بالمشاركة فى اللجنة الأمنية ثم المجلس الرئاسى الذى سيتم استحداثه .. مشيرة إلى أن ابن عمر تلقى اتصالا هاتفيا من خارج اليمن من طرف دولى رفيع المستوى ونقله للصبيحى الذى تحدث معه وأبدى الصبيحى تفهمه لما تحدث به الطرف الدولى.
كما يعد موقف اللواء على الأحمدى رئيس جهاز الأمن القومى والذى ورد اسمه ضمن أعضاء اللجنة الأمنية غامضا، إذ تشير أنباء إلى رفضه العمل مع أنصار الله ، وأنه استقال من الجهاز وجاء اجتماع الأمس للجنة الأمنية العليا ولم يتضمن الخبر الرسمى اسمه ضمن الحاضرين للاجتماع.
وتجىء التطورات الداخلية فى المحافظات الجنوبية التى رفضت الحوثيين فى البداية ورفضت الإعلان الدستورى لتجعل خيارات أنصار الله محدودة وتسرع بانفصال الجنوب الذى أعلنت القوى السياسية فيه أن الإعلان لا يعنيها ولن تلتفت إلى الحوثيين ولن تتعامل مع الإعلان ونتائجه لأنه انقلاب على الرئيس والدستور - حسب هذه القوى الجنوبية - فيما أعلن محافظ شبوة والقيادات المحلية بها رفضهم الإعلان وعدم التعامل مع صنعاء وإدارة شئون المحافظة من قبل السلطات المحلية بالتشاور مع عدن وحضر موت فيما أعلنت قبائل شبوة والقيادات المحلية والأمنية والعسكرية استعدادها للدفاع عن المحافظة ونشر نقاط أمنية لحماية الطرق والمنشآت.
وتبقى مشكلة محافظة مأرب هى أم المشاكل الداخلية لأنصار الله، إذ أن القبائل التى تؤيد حزب الإصلاح والقيادات المحلية بها بما فيها التابعة لحزب المؤتمر ترفض دخول الحوثيين المحافظة وكان الحوثيون يأملون من الرئيس المستقيل أن تقوم الطائرات الحربية بقصف مواقع الإصلاحيين والقبليين المدعومين من القاعدة لتسهيل دخول ميليشياتهم وقوات الجيش المحافظة إلا أنه رفض مما أدى إلى انقلابهم عليه ، والمؤكد أن الجيش سيرفض أى ضغط عليه للقيام بدور فى مأرب التى هددت على لسان بعض قيادات القبائل بتخريب منشآت النفط والكهرباء بها إذا حدث هجوم عليها.
وإزاء هذه التطورات التى أضفت مزيدا من التعقيدات على الوضع السياسى المضطرب والمعقد فى اليمن يظل السؤال المطروح منذ بداية الأزمة إلى أين يسير اليمن، وهل ستمضى جماعة أنصار الله وهى منتشية بانتصارها فى طريقها المحفوف بالمخاطر عليها وعلى الشعب اليمنى وفى ظل العداء الداخلى والخارجى، أم سيتريث قادتها ويراجعون موقفهم ويعدلون عن الاستمرار فى هذا الطريق المنفرد ويحاولون التوصل إلى حل مع الفرقاء اليمنيين لتجنيب البلاد مشاكل الجميع فى الداخل والخارج فى غنى عنها.