نيران الفساد والإهمال .. تلتهم أجساد الأطفال
تتصاعد ألسنة اللهب تحاصر الطلبة والطالبات، الأجساد النحيلة كحطب الذرة وعيدان القطن الجافة التى يشعل بها الفلاحون الأفران، صراخ الأطفال يتزايد، يضيع الصراخ وسط ألسنة النيران التى تتصاعد، الأجساد النحيلة تستسلم، تتصاعد رائحة شواء اللحم البشرى، تتفحم الأجساد.
يا لحسرة الآباء والأمهات. يا للوعة الأم والخالة والعمة والأخت والجدة والجارة. يا لحسرة الأب والخال والعم والأخ والجد والجار. يا لحسرة زملاء وأصدقاء العمر فى الحزن والضحك واللعب والمذاكرة والأمل والألم والعلم وتحية العلم، فى الحلم بالمستقبل.
دقائق تفصل بين الحياة والموت، وسط تصاعد لهيب النيران. تختلط الصور وتمر أمام الأعين الحزينة المخنوقة بالدموع. صور الإهمال والفساد عبر عهود وسنين من حريق القطارات لحريق مسرح بنى سويف، لغرق العبارات، لوقوع صخرة الدويقة على رءوس الأحياء. وفى كل كارثة ومصيبة تتحرك الأجهزة المسئولة لبضعة أيام، ثم يعود الحال إلى ما هو عليه، وعلى المتضرر أن يلجأ إلى الله رافعاً يديه داعياً: «اللهم اكفنا شر القضاء والقدر، والطف بنا وبفلذات أكبادنا، الله ما اكفنا شر الطريق».
عهود من الفساد والإهمال والاستهتار بالإنسان، وفى كل مرة وأمام كل كارثة يتم تشكيل اللجان الفنية لتقصى الحقائق، وبعد فترة تغيب الحقائق وتغيب معها الخطط والحلول التى يتم وضعها. نسمع نفس الكلمات والتوصيات: «إنها تركة ثقيلة ورثناها من النظام السابق، نوصى بتطوير المزلقانات، نوصى بعقاب المسئولين الفاسدين، نوصى بصيانة ورصف الطرق، نوصى بتجهيز المستشفيات لاستقبال مصابى الحوادث، نوصى بتطبيق القانون، فالكل أمام القانون سواء، نوصى بتشريعات لتغليظ العقوبات فى قوانين المرور وسلامة الطرق، نوصى بأن تقوم هيئة الموانئ برقابتها على العبارات التى تسير مخالفة وتحمل أرواح المصريين ويكون نتيجة هذه المخالفات دفن أجساد المصريين فى أعماق البحر لتصبح وجبة للسمك، نوصى بالسلامة الفنية للمبانى والمسارح والمؤسسات ....» توصيات وتوصيات وتوصيات، وبعدها لا شىء يتغير فلا تنفيذ ولا متابعة ولا مراقبة ولا محاسبة.
إرهاب الفساد والإهمال يتساوى مع إرهاب التفجيرات والقتل والتدمير. إن إرهاب الفساد والإهمال الذى يتسبب فى خطف أطفال فى عمر الزهور، يتسبب فى سقوط المبانى، يتسبب فى انفجار مواسير الصرف الصحى لتختلط بمياه الشرب. استهتار بعض المسئولين الفاسدين باستيراد المبيدات المسرطنة، كل ذلك تسبب فى إصابة الآلاف من المصريين سنوياً بأمراض أخطرها الفشل الكلوى والسرطان.
الإهمال فى سلامة الطرق والنقل، وفوضى المرور يؤدى سنوياً إلى قتل أكثر من 12 ألف وإصابة 50 ألف شخص سنوياً غير خسائر مادية تصل إلى 15 مليار جنيه. هذا فى بلد يحتاج لكل مجهود لثروته البشرية وإلى كل دخله للتنمية والإنتاج والخدمات والمرافق.
صرخنا، كتبنا، قدمنا حلولاً كثيرة من خلال المفكرين والمخترعين والأكاديميين والمهتمين بالشأن العام. متى تتوافر الإرادة السياسية للدولة للبدء فى خطة قومية للقضاء على الفساد والإهمال؟ متى تتوافر الإرادة السياسية لتشكيل حكومة الحرب على الإرهاب، الحرب على الفقر، الحرب على الفساد، الحرب على الإهمال؟ إلى متى يقدم الشعب المصرى القرابين من دم أبنائه التى تروى الطرق كل يوم وأشلاء اللحم البشرى المتناثرة على الأسفلت كل يوم؟
إن الحرب المقدسة التى يخوضها جنود الجيش على الحدود لدحر وهزيمة الجماعات الإرهابية التى تتاجر بالدين زاعمة نشر الإسلام، وهى تنفذ فى الحقيقة مخططاً لتقسيم مصر والدول العربية ضمن مشروع استعمارى، مشروع الشرق الأوسط الجديد.
إن الحرب على الإرهاب داخل البلاد لمن يعتدون على المنشآت لشل حياه المصريين ويتسببون فى قتل الأبرياء وترويع الآمنين، هذه الحرب لابد أن تقابلها حرب على الإهمال والفساد والاستهتار بتطهير البلاد من الفاسدين، وبتغليظ القوانين على جرائم الفساد، وبوضع خطط للبدء فوراً فى إصلاح منظومة الخدمات والمرافق. إننا نحتاج دولة القانون، دولة الانضباط، دولة إعلاء الضمير والقيم والأخلاق، دولة العدالة الناجزة من خلال دوائر متفرغة لجرائم العنف والإرهاب والفساد. دولة يعيش فيها الإنسان بشكل آدمى وإنسانى