شوقى .. شاعر العصر الحديث

الدخول إلى عالم المبدع متعدد الجوانب الإنسانية والحياتية، يجعلك تتردد كثيراً فى تقنين أى جانب من جوانب الفنون الإبداعية التى يكثر فيها التأويل لمحاولة تفكيك المعادلات الموضوعية للمبدع، خاصة فى مجال الإبداع الشعرى الذى يتطلب المعرفة التامة بالجوانب الإنسانية التى أحاطت به فى نشأته وتكوين قناعاته الوجدانية.

فما بالكم بالدخول إلى عالم أمير الشعراء «أحمد شوقى» الذى اجتمعت من أجله الأمة لتنصيبه أميراً للشعراء قاطبة، ولعبت نشأته الأولى لعبتها الكبرى فى وصوله لأن يكون «شاعر القصر» فى المرحلة الخديوية.. الأمر الذى حدا بالشاعر لأن يدافع عن مصريته، رغم جذوره التركية اليونانية الجركسية.

فشوقى يعد من شعراء العربية المعدودين فى العصر الحديث الذين احتفظ شعرهم بقوة القصيدة القديمة وبأصولها، وبألفاظ العربية الصحيحة، وبالحرص على اللغة، وعدم الخروج عليها، ونظراً لأن شعره يعد نموذجاً للفصحى الراقية فى العصر الحديث، كما يعد مصالحة بينه وبين القديم . فهو ينتمى إلى المدرسة الإحيائية التى استلهمت صورها من الشعر التراثى. فشوقى شاعر متميز من شعراء العربية يشهد له الجميع بالسبق والتفرد، فما صنعه شوقى فى اللغة الشعرية هو إعادة اكتشاف لغة عصرية جزلة توائم مجريات وذوق عصره الذى ظهر فيه، وكما أن «التمثال الجميل» كامن فى الحجر الأصم، فيأتى المثَّال فيزيح عنه الزوائد ليظهر هذا التمثال، نجد القصيدة كامنة فى اللغة المألوفة المأنوسة فى اتصال الناس بعضهم ببعض، فيأتى الشاعر، فيستخرجها من هذه اللغة المتداولة المألوفة، فهو يستخدم النظام اللغوى الذى يستخدمه الناس، لكى يستخرج منه هذا الفن الجميل «الشعر». هذا الشاعر العملاق أمير الشعراء الذى اقتصر الاحتفال به على بعض المنتديات الأدبية ـ على استحياء ـ فى ذكرى رحيله الـ 82 ومنهم أمسية «كرمة بن هانئ» تحت عنوان «شوقى فى عيون معاصريه» التى انصبت مداخلات المشاركين فيها على علاقته بمعاصريه من الزعماء والأدباء والشعراء، فى حين كان ينبغى أن يكون لوزارة الثقافة السبق فى تنظيم احتفالية كبرى ـ تليق بقامة شوقى الشامخة وقيمته ـ أو مؤتمر دولى يقام سنوياً تحت رعاية وزير الثقافة «رئيس المجلس الأعلى للثقافة» بالمجلس الأعلى الذى يعد«قبلة المثقفين المصريين والعرب» يدعى إليه الأدباء والشعراء والباحثون من كل بقاع الأرض المهتمون بشعره، ليسلطوا الضوء أكثر على تراث شوقى الشعرى، خاصة أنه ترك تراثاُ رائعاً من الشعر بخلاف «الشوقيات» وشعره المسرحى وأسوار الذهب، بيد أنه يمتلك ما يعادل هذه الإبداعات لم تأخذ حقها فى التعريف بها ونشرها ودراستها مثل رواياته على سبيل المثال ومنها روايتا: «وطنيتى فى شعرى» و «محاورات بنتاؤور»، علاوة على ما تركه من إبداعاته «النثرية» التى قال عنها «وطنيتى فى نثرى».

وقد يثمر هذا المؤتمر الذى نطالب به بالكشف عن النادر والجديد مما هو خاف ٍ على محبى شعره وإبداعاته، فتكون فرصة سانحة لنحيط بكل إبداعات شوقى والقيام على دراستها لنقف على الخصائص الفنية لكل إنتاجه: ليكون لبنة لإقامة دراسات متخصصة نقدية ولغوية وعروضية وبلاغية ... الخ . حتى يكون حكمنا عليه كشاعر منصفاً ومؤكداً على قيمته الحقيقية.

فهل من مجيب لدعوتنا الصادقة باستحقاقه مؤتمراً دولياً سنوياً؟! تنبثق عنه قرارات وتوصيات تدفع عنه اتهامات كثيرة عن علاقة شعره بالسلطة. ويصدر من أجلها «طابع بريد» لتعريف العالم بقاماتنا التى جعلت من مصرنا المحروسة سيدة الإبداع فى جميع الفنون الإنسانية.. وبخاصة الشعر . كتحية لروحك الخالدة: أمير الشعراء!

■ مركز اللغات والترجمة