حاميها.. أكبر منتفعيها
وكأن غشاوة قد رُفِعت فجأة من فوق عيون الإعلاميين، جعلتهم يرون، ولأول مرة، حال الإعلام المصرى وما وصل إليه من تردٍ، مع أننا نعيش هذه الحالة من السوء منذ سنوات طوال، انحاز فيها من انحاز إلى أنظمة عاثت فى الأرض فساداً، وغرق من غرق فى مستنقع الأهل والعشيرة، ومنهم من أمسك بالعصا من المنتصف، إدراكاً منه أن مصر، كل يوم هى فى حال.. وكأنما هؤلاء الإعلاميون يكتشفون فجأة سطحية بعض من يتوسد سدة الشاشات، ينشر جهالته على خلق الله، خاصة البسطاء من الناس.
خرج الإعلاميون من لقائهم الأخير بالرئيس عبد الفتاح السيسى، وكأن بعضهم يريد أن يُزيح عن نفسه سوأة ما شهده اللقاء من سطحية بعض من تحدثوا فى حضرة الرئيس، جنباً إلى جنب مع من كانوا ذوى رؤية تثقل ميزان العمل الإعلامى، فى مرحلة فارقة من تاريخ مصر، سيلعب الإعلام فيها دوراً خطيراً، أساسه شرح ما يتم على الأرض من مشروعات تنموية، تدفع هذا الوطن خطوات إلى الأمام، فى مشوار طويل، سيُواجه خلاله، أى الوطن، بالعظيم من التحديات والكثير من المؤامرات، لعلها تُوقفه عن النمو، وتحافظ على حالة التأقزم التى عاشها خلال عقود مضت، وتلك هى المهمة الثانية للإعلام فى هذه المرحلة.. التبصير بطبيعة المؤامرات وشحذ الهمم نحو المواجهة المُنجية من الهلاك.
انبرت أقلام كثيرة، لبعض من شهدوا لقاء الرئيس، يوجهون إلى بعضهم الآخر، نقداً لما ظهر منهم من سطحية الرؤية وضحالة التفكير، فى مواجهة مشروعات مصر التنموية، وكأنهم لا يعرفون أقدار بعضهم البعض قبل هذا اللقاء، أو كأن هؤلاء السطحيين يعملون على شاشات مخفية، صماء لا حراك فيها، أو كأنهم، على كثير مما بدر منهم ليسوا سبب بلاء ما عاشته مصر، قبل أكثر من ثلاثة أعوام، عندما انطلقوا بعاطفة غاب عنها العقل، يعبثون فى وجدان شعب كان جريحاً مهاناً، يحتاج من يربت على كتفيه، ليعيد له الأمن المفقود، ويبشره بكريم العيش بعد أيام الهوان، فإذا بهؤلاء السطحيين يُلقون الشعب فى أتون الظلم والاستبداد، وسيطرة الأهل والعشيرة على مقاليد البلاد ورقاب العباد.
وللأسف.. مازال هؤلاء يخرجون على الشاشات، ينقلون إلى المواطنين انطباعاتهم الشخصية حول أمور مصيرية، وكأنهم ملكوا ناصيتها، على غير هدى من علم أو تحليل بمنطق، بل إن بعضهم اندفع نحو الصراخ، تحريضاً ولياً لعنق الحقيقة الموضوعية، وذلك دليل على أن كثيراً من هؤلاء دخل عبر البوابات الخلفية للإعلام الفضائى، اتكاء على تربيطات، أو سعياً لمكاسب، أقلها، أن الشطط يحفز على السخونة، ودليل على الجماهيرية، التى غالباً ما تُترجم إلى أموال يتقاضاها هؤلاء من فضائياتهم.. والخاسر هو الوطن. المصيبة فى الأمر، أننا لم نعد نجد من نلجأ إليه، كبيراً، يمكن الجلوس إليه ليفض هذا الاشتباك الحادث على الساحة الإعلامية، بل إن بعضهم ينطبق عليه قول «حاميها.. هو أكبر منتفعيها»، وصار من يمكن اللجوء إليه ليحكم فيها، هو أول المتورطين فيها.. وأخشى ما أخشاه، أن تتعاظم فوضى الإعلام الحالية وتصل مداها، ليجد المتلقى نفسه نهباً لآراء متضاربة، تفقده البوصلة، لا يعرف إلى أين يسير، لأنه لم يتخلص بعد من عاطفة القطيع.. ومعه يتوه الوطن برمته، لا قدر الله.
■ كاتب صحفى