رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا شىء سوى السينما

فى غياب وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية افتتح المهرجان العريق فى دورته السادسة والعشرين للفيلم التسجيلى والقصير فى مدينة الإسماعيلية، التى تشهد سنويًا أحد أهم وأعرق المهرجانات السينمائية الدولية المعنية بالفيلم التسجيلى والقصير على مستوى العالم. 

فمهرجان الإسماعيلية التزم طوال تاريخه بانحيازه التام للسينما ولا شىء سواها. 

ويخلو المهرجان على مدار تاريخه أيضًا من أى بهرجة أو صخب.. وما يعرف بالسجادة الحمراء حيث تتهافت كاميرات المصورين لالتقاط صور للنجوم بأزيائهم الفارهة وملابسهم الصارخة، فكل ذلك العرض الخارجى لا نجده فى الإسماعيلية ومهرجانها العريق المعنى فقط بالسينما والأفكار الطازجة ومشاريع وورش صناعة الأفلام التى تنبئ جميعها بمستقبل أجمل لفن السينما الذى يعشقه صناعه.. فالاحتفاء بالصناعة ذاتها وبالصناع والمواهب الوليدة ركن أساسى للمهرجان منذ نشأته، وذلك ما أكدت عليه رئيسة دورة المهرجان لهذا العام مخرجة الأفلام التسجيلية الموهوبة الأستاذة هالة جلال التى أخلصت للفيلم التسجيلى طوال تاريخها الفنى والمهنى وهى أحد الأمناء على صناعة الفيلم التسجيلى والقصير والاهتمام به وبإثرائه وتطوره ودعم المواهب الشابة الواعدة كهدف أساسى من أهداف المهرجان لخلق أجيال سينمائية جديدة من خلال التدريب وورش عمل الأفلام ودعم وتمويل مشاريع الأفلام التسجيلية والقصيرة، فالفيلم القصير والتسجيلى لم يكن مشروعًا لفيلم روائى طويل وفشل بل هو فن قائم بذاته وله جمالياته وتكثيفة ما يجعله السهل الممتنع الذى يمنح فرصًا للتحليق فى آفاق أكثر رحابة تصل به للعالمية وللانفتاح على السينما الإقليمية وجميع التجارب الطازجة وتبادل الرؤى والخبرات وصقل المواهب والتعرف على كل ما هو جديد ومؤثر من خلال الاحتكاك المباشر بتجارب الآخرين لخلق جيل سينمائى جديد بمعطيات جديدة جادة وأخاذة.. وتعتبر الدورة السادسة والعشرين من المهرجان بداية جديدة وجادة لدعم السينما فى مصر وإثراء صناعة السينما التسجيلية والقصيرة.. ومن أهداف المهرجان الرئيسية أيضًا ربطه بالأهالى ليس فقط كجمهور متلق بل كمشاركين وصناع أفلام ما يعزز التفاعل بين الفن والمجتمع المحلى وتوسيع قاعدة جمهور السينما التسجيلية والقصيرة من خلال تقديم عروض متنوعة فى أماكن مختلفة، وإقامة فعاليات تفاعلية مع الجمهور تهدف إلى رفع الوعى السينمائى وتشجيع المشاهدين على الانخراط أكثر فى هذا النوع من الأفلام الذى يتميز بقدرته على نقل الواقع والتجارب الإنسانية بعمق وصدق دون تجميل أو تزييف.. وكانت اختيارات الأفلام المشاركة فى المسابقات الرسمية تخضع لمعايير دقيقة تركز على الجدة والابتكار إلى جانب التنوع فى الأساليب السردية والموضوعات المطروحة ليشهد المهرجان تنافسًا قويًا بين آلاف الأفلام من مختلف الدول ما يعكس الاهتمام المتزايد بصناعة الأفلام التسجيلية والقصيرة عالميًا.. وكانت لجان المشاهدة والتحكيم حريصة على انتقاء الأعمال التى تقدم رؤى جديدة وزوايا غير تقليدية سواء من حيث الأسلوب البصرى أو التناول الموضوعى ما يتيح للجمهور فرصة استكشاف تجارب سينمائية فريدة ومشاهدة أفلام تفتح آفاقًا جديدة فى عالم السينما، فالمهرجان يمثل منصة مهمة للتواصل بين الأجيال المختلفة من صناع السينما ويتيح للجيل الجديد من المخرجين فرصة التعلم من كبار المبدعين والاستفادة من تجاربهم فى الإخراج والإنتاج والتوزيع، بما يسهم فى تطوير المشهد السينمائى المصرى والإقليمى.

ولا يقتصر دور المهرجان على العروض السينمائية فقط بل يشمل أيضًا (ملتقى الإسماعيلية) وهو منصة تهدف إلى دعم المشاريع السينمائية الجديدة، حيث يتم تقديم جوائز دعم لمشروعات الأفلام المتميزة ما يساعد صناعها على تحقيق رؤاهم الإبداعية وتحويلها إلى أفلام مكتملة.

من خلال التواصل مع المنتجين والممولين هناك ما يسهم فى تعزيز إنتاج الأفلام التسجيلية والقصيرة فى المنطقة ويفتح المجال أمام المواهب الجديدة لتحقيق مشاريعهم السينمائية بأفضل صورة ممكنة.

فالمهرجان جسر حقيقى بين الثقافات المختلفة ويقدم للجمهور نافذة على عوالم وتجارب ثرية من خلال الأفلام التى تعكس قضايا إنسانية واجتماعية وثقافية متنوعة.. فالسينما والمهرجان كانا دومًا بمثابة أداة للتواصل بين الشعوب ومرآة تعكس الواقع وتعبر عن التغيرات المجتمعية.. فالسينما ليست مجرد وسيلة لتوثيق الأحداث والشخوص بل تمثل نافذة لفهم الماضى والحاضر وتسهم فى زيادة الوعى وتسليط الضوء على القضايا الاجتماعية والبيئية والسياسية وتلعب دورًا محوريًا فى التوعية والتغيير، وتسهم فى فتح النقاشات وتعزيز التفكير النقدى وتشجع على الإبداع، وإيجاد الحلول لمختلف القضايا ما يجعلها أداة قوية لإحداث تأثير إيجابى فى المجتمعات وتغيير تراكمي.

فمن خلال السينما ننفتح على عوالم جديدة ونعيش تجارب مختلفة، ونتعرف على شخصيات وأماكن لم نكن نعرفها من قبل ما يعزز الشعور بالإنسانية المشتركة ويعمق فهمنا للعالم من حولنا.. والإسماعيلية كانت ولا تزال حاضنة لهذا النوع من الفنون ومكانًا مثاليًا لاستضافة هذا الحدث السينمائى الكبير على مدار سنوات. 

وشهد حفل الافتتاح أجواء احتفالية متميزة وسردًا لتاريخ التوثيق السينمائى المصرى الرائد ورواده الذين تم تكريمهم سواء من الأحياء وممن رحلوا عن عالمنا.. وقدمت تلك الحكاية سردًا على مسرح قصر ثقافة الإسماعيلية من خلال أداء تفاعلى تبادل فيه الحكى الإعلامى المصرى المتميز السيد (سمير عمر) والفنانة المصرية (سلوى محمد على) ثم عرض فيلم (ثريا) فيلم افتتاح مهرجان الإسماعيلية فى دورته الـ٢٦ وسط حضور واسع من الجماهير والمهتمين بصناعة السينما.. ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة مزيدًا من الفعاليات والعروض السينمائية فى المهرجان الذى يستمر حتى الحادى عشر من فبراير بفعاليات عديدة ومختلفة وندوات يومية تعقد فى الصباح.. تليها عروض للأفلام تستمر لقرابة منتصف الليل لتعيش المدينة الهادئة أجواءً من الزخم والألق الذى تحدثه دومًا.