رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إعمار غزة هو الحل

كل الأنظار تتجه صوب غزة بين طامع ومغتصب ومتآمر، الجميع ينظر إليها على أنها غنيمة أو استحقاق شخصى متوارث، متناسين أن غزة لأهلها، وأن الأرض العربية قد يتغير حكامها، لكنها ثابتة شامخة لا تتبدل ولا تتغير، دماء شهدائها هى الوقود المحرك لها، وأن فلسطين بوضعها الاستثنائى لا يمكن أن يتركها أبناؤها، ولا يمكن أن تسمح مصر القوية الكبرى فى الشرق الأوسط بتصفية قضيتها التى تعتبرها القاهرة أمنًا قوميًا خالصًا.
الرهان خالص على أبناء غزة سكانها الأصليين، هذا الفصيل الذى يعشق تراب وطنه لا يمكن له أن يتركها مهما كانت الظروف، وإن كانوا تركوها فى ظرف استثنائى فى السابع من أكتوبر لعام 2023، عندما اشتدت ويلات الحرب ونزحوا إلى الساحل، حتى إن 90% من أبناء غزة تركوها قهرًا واتجهوا صوب الساحل، وبمجرد توقيع الهدنة عادوا جميعًا إلى ديارهم التى لم يعرفوها ولم يجدوا لها أثرًا، حتى إن البيوت صاحبة المبانى العالية تساوت مع الأرض، ورغم كل ذلك عاد الآلاف إلى غزة ليبكوا على الأطلال وسط منازلهم التى لم يعرفوها من حجم الدمار، فهل تعتقدون أن شعبًا عاد من الموت ليفترش التراب، سيترك وطنه؟
تمسك الشعب بموطنه وبيوته المهدومة هو أساس القضية التى لا يمكن أن تكتب لها نهاية، لأنها نابعة من وجدان الشعوب، المواطن قد يهاجر أو يترك موطنه على أمل العودة، لكنه لا يقبل أن يُهجر أو يُطرد ويُكتب له خروج بلا عودة، الحل الفعلى لأزمة غزة وإحباط سيناريوهات التهجير هو إعادة إعمار غزة.
إعادة الإعمار أمر حتمى ومسئولية تقع أعتاقها على كل دول العالم، وفى القلب منها الدول العربية الشقيقة، الأمم المتحدة أعلنت أن إعمار غزة يتطلب 350 عامًا حتى تعود إلى ما كانت عليه قبل 7 أكتوبر 2023، لكنى أقولها وبقوة إن الدول العربية وفى القلب منها مصر تستطيع إعادة إعمار غزة وفق خطة زمنية لا تستغرق أكثر من 3 سنوات.
الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى رجل يستحق جائزة السلام، فهو يجاهد على مدار أكثر من ستة عشر شهرًا منذ طوفان الأقصى لإخماد الفتنة الأخيرة التى تحدث على أرض غزة، سلك كل الطرق حتى إنه أول من حمّل العالم مسئولية ما يحدث فى غزة، كان محذرًا من تفاقم الأوضاع فى الشرق الأوسط، قائلًا: ما يحدث فى الشرق الأوسط سيؤثر على العالم أجمع، ليس الدول العربية فحسب.
أعلم تمام العلم أن هناك تحركات على أعلى مستوى من القيادة المصرية واتصالات مكثفة مع دول عدة عربية وأوروبية من أجل وقف نزيف ما يحدث فى فلسطين وإعادة الإعمار الفعلى، مصر تمتلك مقومات ذلك، تستطيع القاهرة بالتنسيق مع حلفائها أن تعيد بناء غزة بإشراف السلطة الفلسطينية وأبناء غزة نفسها، لأن إعادة الإعمار هو الرد الفعلى على تكهنات الغرب الساعى نحو التوسع على حساب الأرض العربية.
السيناريو المعلن والمخطط له، هو تهجير أبناء غزة ومغادرتهم موطنهم ضمن خطة طويلة الأمد تستهدف القضاء على القضية الفلسطينية بدعوى إعادة إعمارها، وهو يحمل فى جوفه الحلقة الأخيرة من مسلسل غزة، والذى يُستهدف منه التوسع فى حجم دولة إسرائيل وطمس فلسطين بشكل نهائى لارجعة فيه.
أى مخطط هذا، وأى فكر هذا؟، القانون الدولى لا يسمح أبدًا لأى دولة عظمى أو غيرها أن تسطو على دولة وتهجّر أهلها، ما يحدث لغزة وما تستهدفه القوى العظمى منها هو انتهاك لكل معايير النظام والقانون الدولى.
إن كنا نريد أن تعود القدس إلى موطنها، وأن تحتفظ فلسطين بقدسيتها، فعلينا الاصطفاف جميعًا لمواجهة كل مخططات التهجير، علينا جميعًا كدول عربية أن نفتح ملف إعادة إعمار غزة، بجهود عربية حتى نبطل تكهنات الغرب وتصل لهم رسالة بعلم الوصول أن نسيج الوطن العربى واحد، وأن المصير واحد، وعلى الجميع أن يحترم ذلك.
القيادة المصرية لديها تصور فعلى بإعادة الإعمار فى غزة، من خلال شعب غزة وأهل غزة فى فترة زمنية محددة، وأعلم علم اليقين أن الرئيس السيسى يتوسع فى اتصالاته وفى أحاديثه نحو التوافق على رؤيته الإصلاحية داخل غزة، لأنه يرى أن الحل الوحيد هو إعادة إعمار غزة، واستكمال الهدنة حتى تلتقط غزة أنفاسها، وتدب إليها الحياة من جديد.
لغزة شعبّ يحبها، وللعرب زعماء، آن الأوان أن يعملوا فى مسار واحد نحو هدف واحد، هو إفشال مخططات الغرب، وإعادة الهدوء إلى غزة، كما كانت من قبل، فأموال الخليج والعرب قادرة على إعادة غزة وإعمارها فى وقت قياسى، حتى لا يسيطر أحد عليها إلا أبناؤها وسلطتها الفلسطينية.
الأيام القليلة المقبلة صعبة، وتزداد صعوبتها لأن العدو خطط ويتابع مسار خطته، وعلينا كعرب أن ننتبه وأن نقترب أكثر وأكثر لتكوين وجهة نظر عربية واحدة تعبر عنا جميعًا، حتى نبطل كل سيناريوهات التهجير وتستعيد غزة عافيتها.