رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا يحمل نتنياهو فى جعبته لترامب غدًا؟

وصل رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، أمس إلى واشنطن، ليكون أول مسئول أجنبى يلتقى به الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، فى البيت الأبيض، بعد إعادة انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة لفترة ثانية، فيما يعتبره البعض أخطر زيارة فى هذا التوقيت، الذى يموج فيه الشرق الأوسط بصراعات قد تودى به إلى حرب إقليمية.. سيلتقى نتنياهو ترامب غدًا الثلاثاء، حاملًا مقترحات تحقق مصالح الدولة العبرية، ربما على حساب المصالح الأمريكية فى الشرق الأوسط، وتتنافى مع ما دعا إليه ترامب، خلال حملته الانتخابية، من أنه سيطفئ نار الحرب فى المنطقة، ويعمل على إرساء السلام بين دولها، خصوصًا فى فلسطين ولبنان، وكبح جماح نتنياهو، الذى يتوق إلى تحقيق نصر مزعوم، ولو على حساب كل قواعد القانون الدولى، وحتى لو دفعت واشنطن فاتورة هذا النصر بالكامل من علاقاتها الاستراتيجية فى المنطقة، وخصوصًا مصر والسعودية.. فما الذى يحمله نتنياهو إلى سيد البيت الأبيض غدًا؟.
فى القناة الثانية عشر العبرية، يقول ياكى ديان، الذى شغل منصب رئيس موظفى وزيرى الخارجية، سيلفان شالوم وتسيبى ليفنى، ومستشارًا سياسيًا فى واشنطن، وقنصلًا عامًا لإسرائيل فى لوس أنجلوس: إنه من الصعب أن نتذكر لقاءً أكثر دراماتيكية من الذى سيعقد فى البيت الأبيض غدًا، والذى قد يجعل إسرائيل مرة أخرى «محطة إلزامية» فى الطريق إلى واشنطن.. سيتعين على نتنياهو خلق تنسيق وثيق فى العديد من المجالات، التى ستشكل المنطقة بأكملها لسنوات مقبلة، ولكنها ستوفر أيضًا إجابات عن أسئلة مطروحة الآن.. وعلى الرغم من الانسجام الظاهر بين نتنياهو وترامب، ستكون هناك خلافات أو اتفاقيات، ويجب أن نستمع بعناية إلى احتياجات ترامب.
وباعتبارى شخصًا أعد عشرات، وربما مئات، اللقاءات بين وزير الخارجية وزملائه، حتى خلال الفترات الدرامية- يقول ديان- أستطيع أن أقول بثقة ما، إننى لا أتذكر لقاءً دراماتيكيًا كهذا بين رئيس الوزراء ورئيس أمريكى.. فهذا لقاء من شأنه أن يؤدى إلى ميلاد شرق أوسط مختلف، شرق أوسط جديد.. وسوف يحظى نتنياهو بكل التكريمات الممكنة، بدءًا من اللقاء الأول مع زعيم أجنبى فى واشنطن، وحتى الضيافة فى بيت الضيافة الرسمى «بلير هاوس».. وهذا أبعد ما يكون عن الاستقبال الذى حظى به من الرئيس السابق، جو بايدن.. ومرة أخرى، ستكون الصورة فى العالم أن «الطريق إلى واشنطن يمر عبر القدس».. ومع ذلك، لن تحظى جميع القضايا التى تتم مناقشتها بالإجماع بين الطرفين.
بخصوص غزة.. من المقرر أن يشهد اجتماع الثلاثاء، افتتاح المفاوضات بشأن تنفيذ المرحلة الثانية من صفقة الأسرى.. وتتكرر ثلاثة مواضيع، مرارًا وتكرارًا، بين ترامب ومبعوثيه، من ويتكوف إلى وزير الخارجية ماركو روبيو، ومستشار الأمن القومى مايك والز.. ومن المفيد للغاية الاستماع إليهم: إذ يبدو أن الأمريكيين عازمون على إتمام الصفقة بحلول عودة آخر رهينة إسرائيلية، وسوف يبذلون قصارى جهدهم لإتمامها.. وفى الأسبوع الماضى، رأينا العناق الذى قدمه المبعوث الأمريكى، ستيف ويتكوف لبتسلئيل سموتريتش، الذى كان محل مقاطعة لفترة طويلة فى واشنطن.. كل هذا من أجل إيصال الرسالة الأمريكية، بشأن مدى تقدير واشنطن لدعم وزير المالية فى إتمام الصفقة.. والمعنى العملى المباشر هو أن الحرب، فى شكلها الحالى، قد انتهت.. ولكن والحزن هنا عظيم جدًا. فمن الواضح للأمريكيين أن حماس لن تتمكن من البقاء فى السلطة.. ويكرر مبعوثو ترامب هذه النقطة مرارًا وتكرارًا.
وسوف يتعين على نتنياهو أن يضمن أن تكون أى عملية إعادة إعمار فى غزة مشروطة بعدم بقاء حماس فى السلطة ونزع سلاحها، حتى لو كان ذلك ينطوى على «عمل عسكرى مستهدف» آخر قبل إعادة الإعمار.. ويعتبر «النموذج الذى بدأ العمل به فى معبر رفح مع مسئولين فى السلطة الفلسطينية ومسئولين أوروبيين وأمريكيين وإسرائيليين، مثالًا على ذلك.. ورغم أن هذا «تهديد غزة»، لأن نتنياهو وعد بأن السلطة الفلسطينية لن تحل محل حماس، فإن هذا هو ما يحدث عمليًا.. ويؤكد ترامب مرارًا رغبته فى نقل بعض سكان غزة إلى دول عربية وإسلامية.. وكرر ذلك مرات عديدة، حتى سارع وزراء خارجية جامعة الدول العربية إلى إصدار بيان مشترك بعدم الموافقة عليه.. إلا أن ترامب لديه عدد لا بأس به من الوسائل للتأكد من حدوث ذلك.. ومن الأمثلة العديدة على ذلك، المساعدات الخارجية الضخمة التى تتلقاها مصر من الولايات المتحدة، والتى تأتى فى المرتبة الثانية بعد إسرائيل.. 1.3 مليار دولار، معظمها يذهب لبناء الجيش المصرى.
وبالرغم من توقيع الرئيس ترامب على أمر رئاسى يوقف كل المساعدات الأجنبية لمدة تسعين يومًا للمراجعة، إلا أن استثناء إسرائيل ومصر من ذلك، بعد دورها فى التوسط فى الاتفاق.. فإن ما يجب على مصر أن تفعله، كما يقول ياكى ديان، هو فتح أبوابها.. والضغوط كبيرة أيضًا على المملكة العربية السعودية.. إذ تسعى السعودية، فى اتفاقها مع إسرائيل، إلى إحداث تغييرات فى شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية.. وسوف تضطر أيضًا إلى إجراء تغييرات تتجاوز السلام مع إسرائيل والاستثمار الضخم المخطط له فى الولايات المتحدة، بعدما أعلنت السعودية بالفعل عن ستمائة مليار دولار، وافترض ترامب أن المبلغ سيزيد إلى تريليون دولار.
هذا يؤدى إلى ما يريده ترامب بشدة، وهو توسيع «اتفاقيات إبراهام»، واتفاقية التطبيع بين السعودية وإسرائيل بالذات.. ومن المتوقع أن يضمن له هذا الفوز بجائزة نوبل للسلام، التى يرى أنه يستحقها منذ دورته السابقة.. وهذه هى المرحلة المقبلة والتى سوف تتم بالتوازى مع إعادة إعمار غزة.. وسوف يتعين على نتنياهو أن يبتلع عددًا لا بأس به مما لا يستطيع بلعه فى العادة، ولكن يتعين على المملكة العربية السعودية أيضًا أن تكون مرنة فى إعادة بناء القطاع ونقل اللاجئين من غزة.. وبالرغم من أن الأمريكيين يرون أن الرياض تعمل بالفعل على تجارب يمكن «العيش فيها»، ولكن من المهم أن ندرج فكرة ترامب بشأن خروج غزة فى الحسبان السعودى، وهو فى نظرى ما لا يمكن أن تُقدم عليه السعودية، لأنه يشق الصف العربى، ويطعن دعم القضية الفلسطينية فى مقتل!.
أما إيران.. فهذا هو التحدى الأعظم، وهو المكان الذى توجد فيه الفجوة بين موقف الولايات المتحدة وإسرائيل: القضاء على البرنامج النووى الإيرانى.. يصل نتنياهو إلى الاجتماع مع ترامب، فى وقت وصلت فيه إيران إلى أدنى مستوياتها على صعيد النظام الإيرانى، بدءًا من هزيمة «الوكيل» حزب الله فى لبنان، وسقوط بشار الأسد فى سوريا، تعرض جزء كبير من نظام دفاعها الجوى للتدمير، ووصولًا إلى هزيمة الحرس الثورى الإيرانى.. بالإضافة إلى عدم شرعية النظام الإيرانى حتى فى أوروبا، بسبب دعمه النشط لروسيا.. ويمكن القول إنه لم تكن هناك قط فرصة أفضل من هذه لشن هجوم مشترك على البرنامج النووى الإيرانى.. لكن ترامب أعلن بالفعل أنه جاء لإنهاء الحروب وليس لبدء حروب جديدة.. وسوف يوافق على تجهيز إسرائيل عسكريًا، وممارسة «أقصى قدر من الضغط» على طهران، وفرض عقوبات شديدة عليها، والعمل على فرضها، وحتى تشكيل تهديد عسكرى موثوق.. لقد كان هذا مفقودًا للغاية خلال رئاسة بايدن، ولكن هنا أيضًا، فإن ترامب ليس لديه أى رغبة فى الانضمام إلى هجوم مشترك على إيران.. وسيكون التحدى الذى يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلى، نتنياهو، هو إقناع الرئيس بأن الطريق إلى الرياض يمر عبر طهران، وحتى لو فتح الأخير مفاوضات مع الإيرانيين، فيجب أن يكون ذلك محدودًا فى الوقت.
وفيما يتعلق بلبنان وسوريا.. فإن الأمريكيين يمولون الجيش اللبنانى، بما فى ذلك دفع الرواتب، وبالتالى لديهم نفوذ كبير عليه.. وقد سمحت الضربة القوية التى تلقاها حزب الله بإتمام تعيين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء فى بيروت، وهى الخطوة التى لم تكن ممكنة خلال العامين الماضيين.. وحتى فى ظل وثيقة التفاهم مع الأمريكيين، من المهم أن تُترك لإسرائيل حرية كاملة فى العمل فى لبنان، لمنع حزب الله من إعادة تأسيس نفسه، وكذلك تقديم الدعم الكامل لبقاء إسرائيل فى سوريا، حتى تصبح الأمور أكثر وضوحًا فى دمشق.
نأتى إلى ساحة الأمم المتحدة.. وهنا تحظى إسرائيل بدعم كامل من الحكومة الأمريكية فى واشنطن، بدءًا من استبدال وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى «أونروا» بمنظمة أخرى، وحتى ممارسة ضغوط هائلة على المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى.. وتُعد السفيرة الأمريكية، أليس ستيفانيك، قوة حاسمة فى دعم وإحداث التغيير الضرورى. وهنا سوف يتعين على نتنياهو فى واقع الأمر، تجنيد عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين، لأن القرار الأخير الذى تم تمريره بأغلبية من الحزبين فى مجلس النواب، تم حظره فى مجلس الشيوخ، ولم يدعمه سوى سيناتور ديمقراطى واحد، هو جون بيترمان.
وسيطرح نتنياهو أمام ترامب، ضرورة تجديد برنامج المساعدات العسكرية لإسرائيل، إذ من المقرر أن تنتهى المساعدات التى استمرت عقدًا من الزمان، والتى تم توقيعها فى عهد أوباما، والتى تتلقى بموجبها إسرائيل 3.8 مليار دولار سنويًا، «وهى فى الواقع أكثر»، لشراء الأسلحة الأمريكية.. ومن المقرر أن يتم توقيع الاتفاقية عام 2026.. ومن المؤكد أنه بسبب تعدد القضايا الملحة، سيكون من الممكن الانتظار، ولكن بسبب إحجام الرئيس عن تمويل مساعدات خارجية كبيرة، يتعين على رئيس الوزراء أن يبدأ فى إشراكه فى الأمر.. وإلى جانب كل ذلك، وبدعوى بمكافحة معاداة السامية فى الولايات المتحدة، فإنه يتعين على نتنياهو أن يشكر الرئيس ترامب، على إجراءاته الحاسمة لطرد الطلاب المؤيدين لحماس، الذين يحملون منحًا طلابية، من الحرم الجامعى... والخلاصة التى يراها ياكى ديان، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلى سيلتقى ترامب، حاملًا سلة كاملة من المطالب، لأحد أكثر رؤساء الولايات المتحدة تعاطفًا مع إسرائيل.. صحيح أن جميع القضايا متشابكة، لكن نتنياهو يرى أن هناك إمكانات هائلة لبناء شرق أوسط جديد، مع قطب العقارات دونالد ترامب!!.. لكن هذا القطب لا يريد عداءً مع الدول العربية بشأن قضية فلسطين، خصوصًا بعد بيان القاهرة الذى صدر عن ستة من وزراء الخارجية العرب، الذين رفضوا فيه فكرة التهجير، جملة وتفصيلًا.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.