ترامب والمسيحية الصهيونية.. تحالف الظلام
على الرغم من أن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، لم يكن معروفًا بتوجه دينى واضح، فإن سياساته وتحركاته خلال رئاسته السابقة والحالية، تعكس ارتباطًا وثيقًا بالمسيحيين الصهاينة.
حظى ترامب بدعم واسع من هذا التيار، إذ كان يُنظر إليه كحليف رئيسى لهم، خاصة فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بإسرائيل واليمين المحافظ. وقد عزز هذه العلاقة عبر سياسات تخدم مصالحهم، مؤكدًا التزامه بدعم إسرائيل وفقًا لرؤيتهم الدينية والسياسية، ما جعله شخصية محورية فى المشروع السياسى لهذا التيار.
خلال ولايته السابقة، اتخذ ترامب قرارات تاريخية عززت موقف المسيحيين الصهاينة، ما جعله أحد أكثر الرؤساء الأمريكيين دعمًا لإسرائيل فى التاريخ الحديث. وشملت هذه القرارات نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، وطرح «صفقة القرن». كما لعب دورًا بارزًا فى توسيع دائرة التطبيع العربى مع إسرائيل، ما عزز نفوذها الإقليمي. وقد اعتُبرت هذه الاتفاقيات إنجازًا تاريخيًا لإسرائيل ونجاحًا سياسيًا للمسيحيين الصهاينة، الذين يؤيدون دمج إسرائيل فى المنطقة العربية، ولا يزال تأثيره مستمرًا فى هذه الأوساط، ما يعزز مكانته كرمز سياسى لهذا التيار.
تُعد المسيحية الصهيونية حركة دينية وسياسية داخل بعض الطوائف البروتستانتية، خاصة بين الإنجيليين، الذين يؤمنون بأن قيام إسرائيل عام 1948 تحقيق لنبوءات توراتية، ويرون دعمها التزامًا دينيًا. كما يعتقدون أن تعزيز سيطرتها على الأراضى المحتلة سيعجّل بعودة المسيح وفق معتقداتهم.
اعتمد ترامب على اليمين الإنجيلى كقاعدة دعم رئيسية، خصوصًا فى الانتخابات الرئاسية عامى 2016 و2020. كما ضم إلى إدارته شخصيات بارزة من المسيحيين الصهاينة، مثل نائبه مايك بنس ووزير الخارجية السابق مايك بومبيو، اللذين لعبا دورًا محوريًا فى صياغة سياسات داعمة لإسرائيل. وكان خطابه السياسى يراعى دائمًا عقائد هذه الفئة، مع الحرص على المشاركة فى مناسباتهم الدينية لضمان تأييدهم.
يُعتبر اليمين الإنجيلى من أقوى التيارات الدينية والسياسية فى الولايات المتحدة، حيث يضم ملايين المحافظين الذين يتبنون مواقف صارمة تجاه القضايا الاجتماعية والسياسية. يمارس هذا التيار نفوذًا كبيرًا على الحزب الجمهورى، خاصة فيما يتعلق بدعم إسرائيل والقضايا الدينية.
يتبنى الإنجيليون مواقف محافظة، إذ يعارضون الإجهاض وزواج المثليين، ويدافعون عن القيم العائلية التقليدية، ويرفضون أى حلول قد تقلص النفوذ الإسرائيلى على الأراضى المحتلة. لهذا السبب، يدعمون الحزب الجمهورى بقوة، ويعتبرون ترامب حليفًا رئيسيًا لهم.
كما يلعبون دورًا رئيسيًا فى تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة تجاه الشرق الأوسط. فهم يرون أن إسرائيل جزء من الخطة الإلهية، ويرفضون أى تسويات قد تؤثر على سيطرتها، ما يفسر تأييدهم لقرارات ترامب التى عززت نفوذها. كما يسعون إلى فرض القيم الدينية على التشريعات الأمريكية لمواجهة الفكر الليبرالى والعلمانى.
ورغم أن ترامب ليس مسيحيًا صهيونيًا بالمعنى العقائدى، فإنه كان الأكثر خدمة لأجندتهم. لم تكن قراراته نابعة من إيمان دينى شخصى، بل كانت جزءًا من تحالف سياسى يهدف إلى ضمان دعم اليمين الإنجيلى، الذى شكّل قاعدة انتخابية قوية له. ويعكس دعمه الكبير للمسيحيين الصهاينة مدى تأثير التحالفات الدينية والأيديولوجية على السياسة الأمريكية، إلى جانب المصالح الاستراتيجية.
يبقى التساؤل مطروحًا حول مستقبل العلاقة بين ترامب والمسيحية الصهيونية، وما إذا كان هذا التحالف سيستمر بالقوة ذاتها أم سيشهد تغيرات وفق المستجدات السياسية؟