رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"كوكب الشرق" يضىء سماء ماسبيرو

فى ظل صحوة كانت مأمولة لكنها لم تكن متوقعة، عاد إعلام ماسبيرو ليصدح ويغنى ويغرد من جديد. عاد ليثير حالة من الشجن ورغبة صادقة ليكون سندًا ودرعًا للدولة الوطنية وهو فى هذه العودة سيكون معه جناح إعلامى آخر ولد فتيًا هو الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية بكل مكوناتها الصحفية والتليفزيونية والإذاعية والإنتاجية.

جاء التشكيل الجديد للهيئة ليمثل طاقة أمل جديدة أمام مبدعى ماسبيرو الذين كتب عليهم الصمت لسنوات حتى أنهم شكوا هم أنفسهم- حين شككهم البعض فى موهبتهم وقدراتهم.

شرع الأستاذ أحمد المسلمانى رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، فى إصلاح البيت على محاور عدة. لكن ومع شدة اشتياق المحبين لصحوة الكيان من جديد، زادت المطالبات وهذا حق، كما تكثفت المقترحات وذلك جيد. غير أن هذا وذاك لا ينبغى أن يمثلا عبئًا على صانع قرار ماسبيرو ورفاقه، إذ يجب أن يستوعب الجميع من أبناء ماسبيرو ومن متابعيه وعشاقه أيضًا أن أحدًا لا يمتلك العصا السحرية للتغيير، وأن تراكمات ما مضى تتطلب وقتًا للرفع قبل أن نشيد مكانها صروحًا جديدة.

والجميل فى الأمر أن قادة ماسبيرو وهيئته الجديدة يعملون بالتوازى بين الإصلاح والبناء تلبية لرغبات المتطلعين واستجابة لإرادة الدولة، التى اتضحت نواياها الجدية فى إصلاح ما جرى، مع مجرد الإعلان عن أسماء أعضاء المجلس الأعلى وهيئتى الصحافة والإعلام.

وفى إطار السعى لاستعادة أمجاد الإذاعة والتليفزيون، جاء قرار المسلمانى بالاحتفال برمز فنى مصرى هو الأشهر على الإطلاق فى مجال الغناء العربى، كيف لا وهى سيدة الغناء العربى أم كلثوم التى يمر هذا العام نصف قرن منذ رحيلها.

وتأتى عبقرية صانع القرار فى إصراره على أن يتم الاحتفال داخل ماسبيرو وليس فى أى مكان آخر، وأن يتم خلاله تكريم صناع مسلسل كوكب الشرق الذى أنتجه قطاع إنتاج ماسبيرو قبل ربع قرن.

لحسن حظنا أن معظم صناع العمل من المخرجة السيدة أنعام محمد على، لبطلته الأولى الفنانة صابرين وآخرين ممن عزفوا هذه السيمفونية الفنية الراقية التى كتبها قلم المبدع الراحل محفوظ عبدالرحمن، لا يزالون يضيئون حياتنا بحضورهم الراقى. رسالة بليغة تقول لكل المعنيين بالفن العربى إن ماسبيرو هو أصل الإبداع وصانعه الأول.

نعم، نحن نتقبل المنافسة الشريفة، سواء كانت من كيانات وطنية موازية أو من جهات إنتاجية وإبداعية عربية، غير أن حرصنا على كلمة الريادة ينبغى أن يتأكد وأن يتم ترسيخه بالقول والعمل.

وفى هذه الاحتفالية المنتظرة خير مثال يؤكد أن إبداع  ماسبيرو هو الأصل وهو الذى جعله رقمًا صعبًا يصعب على منافسيه تجاوزه مهما بلغت إمكاناتهم وقدراتهم المالية.

وعبر تاريخ الإعلام الوطنى الذى بدأ منذ عام ١٩٣٤ ظلت الفكرة هى البطل فى كل التراث الذى تزخر به مكتبات ماسبيرو. كانت الأفكار التى تخرج من استديوهات الإذاعة والتليفزيون وقطاع الإنتاج دائمًا مبتكرة ورائدة، لذلك كانت تجد أصداء واسعة بمجرد تحويلها إلى واقع سواء فى برنامج أو أغنية أو عمل درامى. ومن هنا كان حزن الشارع المصرى حين غاب ماسبيرو، ومن ذات المنطلق يبدو اهتمامه حين لاحت فى الأفق بشائر عودته للألق من جديد.

قد لا يكون المخرج النهائى الذى نتوقعه فى منتهى الكمال الذى نتمناه، فقد طالت السنوات العجاف واختفى من المشهد عدد كبير من صناع الإبداع، ومن ثم ينبغى أن نحسن استقبال المنتج الفنى الذى سيكون حفل أم كلثوم هو باكورته، وأن نغفر له هناته- إن وجدت- وأن نسلط الأضواء على إيجابياته ونحيى إقدام مبدعيه وإن فاتهم شىء.

حريص أنا على ألا أوقع نفسى فى ذات الخطأ الذى انتقدته فى مستهل مقالتى بأن أتعجل قادة ماسبيرو فى العودة إلى الإنتاج الدرامى وتنظيم احتفالات أضواء المدينة وليالى التليفزيون، وتجديد كامل خريطة الشبكات الإذاعية والقنوات التليفزيونية، ومنح مبدعيه حقوقهم المالية التى تؤمن لهم حياة كريمة وتحفزهم على الإبداع. بالطبع كل هذه مطالبات استمع إليها ومهموم بها السيد المسلمانى ورفاقه، لكنهم لا يملكون كل آليات التغيير. ولكن، تبقى كل الأمانى فى الإمكان- بما فى ذلك إعادة الحقوق لأصحاب المعاشات- طالما خلصت النوايا. 

علينا نحن عشاق ماسبيرو أن نطمئن بعد أن بدت ملامح التطوير الحقيقى بقرارات تصحيحية جريئة، كما حدث مع إذاعة القرآن الكريم، وكما نحتفى اليوم بقرار الاحتفال بمرور 50 سنة على رحيل كوكب الشرق، و25 سنة أخرى على إنتاج مسلسل أم كلثوم، كلى أمل فى أن الخير آتٍ طالما ظل فى العمر بقية، وطالما بقى فى ماسبيرو مئات- ولا أقول آلاف المبدعين.