رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍۢ

صادفت هذه الآية القرآنية خلال الأيام الماضية عشرات المرات على صفحات السوشيال ميديا، مصحوبة بمشاهد الدمار التي خلفتها حرائق الغابات بلوس أنجلوس الأمريكية، في استعلان صريح من ناشريها للشماتة في المنكوبين!

‎وهي شماتة في غير محلها لعدة أسباب:
‎أولاً: معظم آيات الإنتقام في الفلسفة الإسلامية تأتي في سياق طمأنة المظلومين ومواساة المستضعفين، فقد جاء في كتب التفسير:
‎﴿ فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ﴾  فلا تحسبن -أيها الرسول- أن الله يخلف رسله ما وعدهم به من النصر وإهلاك مكذبيهم. إن الله عزيز لا يمتنع عليه شيء، منتقم من أعدائه أشد انتقام. والخطاب وإن كان خاصًّا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو موجَّه لعموم الأمة.

ثانياً: هل استحق الضحايا الشماتة؟
سكان كاليفورنيا بشر مسالمون، رجال ونساء وأطفال من ديانات مختلفة، يتعرضون لمأساة إنسانية تستوجب التعاطف، فقد أُخرجوا من ديارهم وشُردوا، وأحرقت منازلهم، فخسروا سكنهم وسكينتهم؛ لم تُفرق النيران بين مسيحي ومسلم وبوذي، أصابتهم جميعاً البلوى وكلهم مكروبين.

ثالثاً: لماذا فسر البعض ما يحدث في أمريكا، بأنه قصاص الهي عادل لأهل غزة؟
ما شأن سكان كاليفورنيا بما يحدث في غزة؟! هل أصدروا وعد بلفور؟! هل حرضوا أو شجعوا أو أسهموا بأي شكل كان في ما يحدث الآن من فظائع في غزة؟! 
الإجابة بالطبع لا، بل أن أغلبهم متعاطف مستنكر لما يحدث من انتهاكات إنسانية بحق الشعب الفلسطيني، وقد تابعنا على شاشات الأخبار خروج مظاهرات حاشدة على مدار العام الماضي في العديد من الولايات الأمريكية، رفضا لسياسات البيت الأبيض الداعمة للاحتلال الإسرائيلى. ولم يقتصر الرفض على الشعب الأمريكي، بل امتد داخل الإدارة الأمريكية التي شهدت استقالة ١٢ مسؤول اتهموا بايدن بغض الطرف عن المجازر الإسرائيلية في غزة.

رابعاً:
إذا سلمنا بأن ما يحدث في كاليفورنيا انتقاماً إلهياً وليس كارثة طبيعية، فلابد أن نتساءل: هل ضلت ملائكة العذاب طريقها إلى تل أبيب فأحرقت لوس أنجلوس؟ وأي إله هذا الذي يحرق الأبرياء عقاباً لأنظمة بلادهم!

خامساً:
إذا كانت الكوارث الطبيعية إحدى تجليات الانتقام الإلهي، فلماذا كان زلزلزال الحوز بالمغرب وعاصفة درنة بليبيا وزلزال ٩٢ بمصر؟! لماذا أنزل الله بطشه على أرض الحجاز المقدسة في مارس عام ١٠٦٨ بزلزال خلف أكثر من ٢٠ ألف ضحية؟! علماً بأن ضحايا النكبات السابق ذكرها كان أغلبهم من فقراء المسلمين!  

سادساً:
يُفسر المسلمين المصائب التي تحل بهم بأنها اختبار من الله، يُثاب عليها الصابرين من عباده؛ قال تعالى: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون} (البقرة:155-157).
هذا إذا حلت البلوى بهم، أما إذا حلت بغيرهم، فيعدونها انتقاما الهيا وينتشون بآلام الأبرياء، متناسيين أن الشماتة ليست خُلُقًا دينياً ولا انسانياً، بل أنها تخالف روح الإسلام، وروحه محبة وسلام ورحمة.